التساؤل الأول: من هم الشهداء؟
الشهداء هم الذين قُتلوا في سبيل الله، وسبيل الله هو الجهاد لتكون كلمته هي العليا، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (مَنْ جَاهَدَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا فَهُوَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ)([1])
وعلى هذا الأساس فشهداؤنا من أبناء الجيش واللجان الشعبية والقبائل الأبية الذين نفروا للجهاد في سبيل الله فواجهوا وقاتلوا دفاعًا عن أنفسهم وبلادهم وأهلهم ودينهم وكرامتهم وسيادتهم، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة أمريكا وإسرائيل والسعودية هي السفلى، وبذلوا أموالهم وأنفسهم، ووقفوا ضد العدوان ويواجهون الغزو والاحتلال الأجنبي المسنود من المرتزقة والخونة والعملاء من الداخل لقوله سبحانه: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وقوله: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) وقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُوماً فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَكُلُّ قَتِيلٍ فِي جَنْبِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ)([2])
شبهة مسلم يقتل مسلما
قد يأتي من يقول أن من يواجهون العدوان ليسوا شهداء لأنهم يواجهون مسلمين يمنيين - يقصدون المرتزقة – فالمسألة مسلم يقتل مسلمًا، وعليه فالقاتل والمقتول في النار، حسب ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ)([3])
وهذا الحديث النبوي الشريف ينطبق في حال إذا تواجها المسلمان في الباطل وعلى الباطل، كما يتقاتل المرتزقة والدواعش فيما بينهم، أو يتقاتل المسلمان على قطعة أرض ليست ملك أحد منهما ويريد كلٌّ منهما اغتصابها، أو على حطام الدنيا ولم يرجعا للقضاء للفصل بينهما وعلى هذا السياق، أما الدفاع عن النفس فهو مما لا خلاف فيه ،كما ورد عنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم جاء إليه رجل فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : (فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ) قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : (قَاتِلْهُ) قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : (فَأَنْتَ شَهِيدٌ) قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : (هُوَ فِي النَّار)([4]) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم منْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُوماً فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَكُلُّ قَتِيلٍ فِي جَنْبِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ)([5])
ولمزيد إيضاح لنا أن نتأمل في استشهاد الإمام علي عليه السلام هل كان على يد عمرو بن ود العامري المشرك في غزوة الأحزاب؟ أو على يد مرحب اليهودي في غزوة خيبر؟ أم أنه كان على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي المحسوب مسلمًا؟ وكذلك استشهاد الإمام الحسين والإمام زيد عليهما السلام، هل يمكن أن يُقال: مسلم يقتل مسلمًا فالقاتل في والمقتول في النار! فيصبح الإمام علي والإمام الحسين والإمام زيد عليهما السلام في النار؟ لأن من قتلهم محسوبون على الإسلام وهذا ما لا يقول به قائل، وبالمثل من قتلهم الإمام علي عليه السلام أو الإمام الحسين في كربلاء أو الإمام زيد في ثورته المباركة، هل يمكن أن نقول عن ذلك القاتل والمقتول في النار؟ بمعنى أن المقتولين في النار ومن قتلهم في النار أيضاً، لا يمكن ذلك على الإطلاق، بل المسألة مسألة حق وباطل، وكما قال الإمام علي عليه السلام عن شهداء جيشه وقتلى الفئة الباغية "المسلمة" في صفين: (فَمَنْ أَكَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَى الْجَنَّةِ، ومَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ فَإِلَى النّارِ)([6])
ثم ما حكم المجاهدين والمقاومين المسلمين في فلسطين ولبنان، الذين يقتلهم ويغتالهم عملاء عرب ومسلمون للمخابرات الأجنبية كالموساد الإسرائيلي مثلًا، هل نقول مسلم يقتل مسلمًا فالقاتل والمقتول في النار؟ وبالمثل أيضاً هل مواجهة المجاهدين والمقاومين لهؤلاء العملاء وقتلهم في سياق مسألة مسلم يقتل مسلمًا فالقاتل والمقتول في النار؟ لا .. لا فلا يقول بهذا عاقل، بل الحق والعدل والمنطق أنهم مجاهدون ضد عملاء ومرتزقة الغزو والاحتلال الإسرائيلي.
وشهداؤنا من أبناء الجيش واللجان الشعبية على هذا المنوال، سقطوا في مواجهة مرتزقة وعملاء العدوان السعودي الأمريكي، الذي ارتكب الجرائم المروعة والمجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء، واعتدى وحاصر وجوّع وانضوى تحت عباءته المسلم العميل اليمني و السعودي والإماراتي والسوداني وغيرهم، مع الدواعش ومع اليهودي والنصراني المنضوين في شركة بلاك ووتر الأمريكية كما هو معلوم.
بل إن شهداءنا في مواجهة المنافقين من العملاء والمرتزقة في هذا العدوان يتمتعون بالبصيرة الثاقبة والوعي العالي، حيث عرفوا المؤامرة الأمريكية والصهيونية وفهموا طريقة أمريكا في القتال عبر المرتزقة والتكفيريين، كما فعلت في مواجهة الاتحاد السوفيتي سابقًا في أفغانستان وكما هو ديدنها في المنطقة بأسرها.
وشبهة مسلم يقتل مسلمًا إنما يثيرها المرجفون في داخل مجتمعاتنا بهدف التخذيل، لكنهم في أوساط المرتزقة والعملاء لا يقولون لهم: مسلم يقتل مسلمًا توقفوا عن القتال، بل يقولون لهم: قاتلوا المجوس والروافض المشركين، فلم نعد في نظرهم حتى مسلمين.
كما يتذرع بهذه الشبهة الجبناء الذين يخفون جبنهم تحت هذه اليافطة، فمن غير المعقول أن يقولوا: نحن جبناء لا نجرؤ على القتال، والحقيقة الواضحة أن الكثير يتخلون عن مسؤولياتهم وواجباتهم بالجهاد في سبيل الله ويتثاقلون عنه تحت مبرر هذه الشبهة بمُسمى "الحياد" وهم يعلمون.
الشهداء كانوا مجاهدين
الشهداء من زاوية أخرى - وهي نقطة مهمة يغفل عنها الكثيرون - كانوا مجاهدين أحياء معنا في الدنيا ثم قاموا بواجبهم فاستشهدوا، ولهذا يجب الاهتمام بهم قبل استشهادهم.
أما بعد استشهادهم فلا يحتاجون شخصيًا لأحد، ومن هذا المنطلق يجب علينا أفرادًا ومجتمعات وحكومة الاهتمام بالمجاهدين وبالجرحى وبموضوع الأسرى ،ودعمهم والانفاق في سبيل الله حتى تتوفر حاجتهم في الجبهات، والاهتمام بأسرهم حتى لا تشغلهم حاجة أهاليهم ومتطلباتهم عن الجهاد.
وقد حدث أن مجاهدًا كان مرابطًا في أحد الجزر في البحر الأحمر، وكان رفاقه يحثونه على الرباط وكانت أسرته فقيرة جدًا، ودائمًا ما كانت تتواصل معه تلفونيًا بأنهم يحتاجون مصاريف ومواد غذائية، ولم يستجز أن يعود للنظر في حاجاتهم أو العمل للكسب الحلال ويترك الجهاد فزاد الضغط عليه، ولم يتحمل الوضع فدخل في حالة نفسية، فعلى الجميع الالتفات لمثل هذه الأمور ولنتأمل جيدًا في دعاء الإمام زين العابدين لأهل الثغور في هذا المقطع منه: (اللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم خَلَفَ غَازِياً أَوْ مُرَابِطاً فِي دَارِهِ أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِيْهِ فِيْ غَيْبَتِهِ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَة مِنْ مَالِهِ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتَاد، أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَاد، أَوْ أَتْبَعَهُ فِي وَجْهِهِ دَعْوَةً، أَوْ رَعَى لَهُ مِنْ وَرَآئِهِ حُرْمَةً. فَأَجْرِ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ وَزْناً بِوَزْن وَمِثْلاً بِمِثْل وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ، وَسُرُورَ مَا أَتَى به، إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ الْوَقْتُ إلَى مَا أَجْرَيْتَ لَهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرَامَتِكَ)([7]).
كذلك يتعرض المجاهدون للكثير من الانتقاد على بعض الأخطاء البسيطة، ويُسلّط البعض ألسنتهم عليهم ويكررون الإساءات إليهم، وهذا البعض من أصحاب النقد والاساءات غالبًا ما يكونوا من القاعدين والمرجفين والجبناء.
وكم سمعنا عن فلان المجاهد أنه فاسد وأنه أخذ كذا وفعل كذا، وبعد فترة وجيزة وإذا بنا نشيعه شهيدًا قد قضى نحبه في سبيل الله، ولكم سمعنا عن اتهام المشرفين بتهم كثيرة ولكم تعرّضوا إلى التشويه الممنهج إلى أن سقط أغلبهم شهداء في سبيل الله، ليتبين زيف تلك الافتراءات وفداحة الجرم الذي يرتكبه من يشيعها ويتداولها في حقهم.
التساؤل الثاني: ما الذي حرك الشهداء؟
لقد حركهم ثلاثة أمور:
وفجأة وعلى حين غرة يتعرض بلدهم اليمن إلى عدوان أجنبي غادر، مسنود بعملاء وخونة ومرتزقة من الداخل بذرائع واهية وسخيفة، فرأوا بأم أعينهم وسمعوا بآذانهم أزيز الطائرات لكن ليس من شاشة التلفاز ولا عبر نشرات الأخبار، وليس في فلسطين أو في العراق بل على أرض الواقع في اليمن، فنهضوا لأنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولم يحتاجوا لفتح باب الجهاد ليخرجوا من بلادهم للجهاد في بلد آخر لأن العدو جاء وكسر الباب ودخل إلى البلاد، ولم يكن يفصلهم عن جبهات القتال إلا ساعة زمن بالسيارة أو أقل، فواجهوا وقاتلوا بكل عزة وشجاعة وبأس وإقدام واستبسال، كي لا يتمكن العدو من إهانة أهليهم وأبناء شعبهم ويُغَيّر دينهم، قاتلوا بعد أن نفروا من بيوتهم ومن بين أهلهم وأحبائهم حتى لا يصبحوا إن قعدوا عندهم لاجئين أو نازحين، أو يُقتلوا كالنعاج في قراهم وحاراتهم، نفروا من المساجد حتى لا يكونوا عصاة لله تعالى الذي أمرهم بالنفير من بيوتهم وبيوته على حد سواء إلى جبهات القتال، فكانت أرض الجبهة أفضل عندهم من البيوت ومتاريسهم أفضل من المساجد ومحاريب العبادة.
الثالث: حركتهم القيادة المؤمنة التي كانت السباقة في تقديم أفضل الشهداء وأعظم التضحيات فرأوا صدقها وشجاعتها وبذلها وعطاءها فتحركوا تحت رايتها مقتدين بها نافرين في سبيل الله مثلها.
التساؤل الثالث: لماذا سقط وقُتل الشهداء؟
مع استمرار تساقط الشهداء بشكل يومي على مدى عامين من العدوان لا يجوز أن يتعود الناس على هذا الأمر بل يجب أن نتساءل لماذا يسقطون يوميًا؟ لماذا يُقتلون؟
والإجابة عن هذا التساؤل تنقسم إلى قسمين:
فنسبة المجاهدين قليلة مقارنة بنسبة القاعدين، ولأنهم قليلون لا يدرون أفي هذه الجبهة يقاتلون أم تلك لكسر الزحف فيها؟ أم ينتقلون لصد زحف أكبر في الجبهة الأخرى التي الضغط فيها أكبر؟ ولا يوجد زخم بشري جهادي يرابط ويُؤمِّن خلفهم، فتحصل عليهم التفافات معادية وهكذا يتساقطون بسبب تفريط القاعدين، الذين من المُفترض أن المواقع الفارغة والثغرات التي يتسلل منها الأعداء هي مواقعهم، لذلك يتحملون جزءًا من المسؤولية في سقوط الشهداء.
التساؤل الرابع: ما واجبنا ومسؤوليتنا نحو الشهداء؟
يتبادر إلى الذهن الاهتمام بأسر وعوائل الشهداء، وهذا فعلًا من أهم الواجبات، فالشهداء أحسنوا إلينا فكيف لا نحسن إلى أسرهم والله تعالى يقول: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)
ولكن هناك واجب آخر ومسؤولية مهمة نحو الشهداء، وهي أن نتعلم منهم وأن نعيش القضية التي عاشوها، وأن نقوم بالدور الذي قاموا به وتركوه باستشهادهم، فمسؤوليتنا هي أن نملأ كل المواقع التي كان يشغلها الشهداء، وأن نـتأهل عسكريًا حتى نكون خير خلف لخير سلف، ولا ينبغي أن يقتصر دورنا على حضور تشييعهم وعزائهم، وقراءة الفاتحة إلى أرواحهم والترحم عليهم والدعاء لهم، ونتذكر مناقبهم ثم ننتظر حتى يسقط شهيد آخر، ونعيد الكرة مرة أخرى ونقوم بنفس الدور وهكذا دواليك.
التساؤل الخامس: الشهداء شهداء على مَنْ؟
والله من وراء القصد
([1]) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب
([2]) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب
([3]) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب
([4]) صحيح مسلم
([5]) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب
([6]) المصدر السابق.
([7]) الصحيفة السجادية