المخطوطات العربية والإسلامية ثروة فكرية وثقافية نفيسة ، وتراث إنساني بديع، والعناية بها هو السبيل الوحيد للحفاظ على ما أنتجه العقل العربي والاسلامي عبر القرون وفي شتى الفنون، وخير وسيلة للاستفادة من هذه الثروة العلمية الضخمة هو الاهتمام بها عن طريق دراستها وتحقيقها ونشرها لترى النور وتصبح في متناول أيدي الجميع.
* مفاهيم ومصطلحات تتعلق بالمخطوطات:
التراث: جاء في (المعجم الأدبي): هو ما تراكم خلال الأزمنة من تقاليد وعادات وخبرات وتجارب وفنون وعلوم في شعبٍ من الشعوب.
وفي (معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب): هو ما خلّفه السلف من آثار علمية وفنية وأدبية ممّا يُعتبر نفيساً بالنسبة لتقاليد العصر الحاضر وروحه؛ فإذا قلنا: تحقيق التراث، فيراد من كلمة التراث في هذه العبارة: الكتب المخطوطة التي ورثها السلف للخلف.
جاء في (محيط المحيط): أصل كلمة تراث وراث، إذْ بدلت الواو تاءً، فالتراث والإرث والورث ألفاظ مترادفة.
المخطوط: هو الكتاب المكتوب بالخط لا بالمطبعة وجمعه مخطوطات ويقابله الكتاب المطبوع.
النص: هو الكلمات التي يتألف منها المخطوط.
المتن: هو الجزء الرئيسي من المؤلَّف (المخطوط) مستقلاً عن شروحه وحواشيه.
الحواشي (الهوامش): هي الكلمات الخارجة عن نص الكتاب المخطوط وليست منه، الموضوعة في هوامش الكتاب في الجهة العليا أو السفلى أو اليمنى أو اليسرى ، وتتضمن تعليقات وشروحات على النص.
الضبط: جاء في (المعجم الوسيط): ضبط الكتاب: أصلح خلله أوصحّحه وشكّله، بينما كان له عندالقدماء معنى الحفظ الجيد.
مقابلة النسخ: هي عملية قراءة نسخ الكتاب جميعاً وبيان فوراقها من أجل ضبط نص الكتاب وتصحيحه.
النسخة الأم: هي نسخة المؤلف المبيضة بخط يده، وسُمِّيَتْ أُمّاً؛ لأنّ كلَّ النسخ المنقولة منها تكون بمثابة ذريتها المتولدة عنها.
النسخة الأصل أو الأصلية: هي النسخة التي يعتمدها المحقق أصلاً في عمله من بين عدة نسخ، فينسخ نص الكتاب منها ويقابل سائر النسخ عليها، وقد تكون النسخة الأم هي نسخة المؤلف، أو نسخة منقولة عنها إذا فقدت النسخة الأم أو أقدم النسخ تأريخاً من بين سائر النسخ.
النسخ الفرعية: هي النسخ التي يقابلها المحقق على الأصل لبيان فوارقها، ولها أهمية في بيان كلمة غامضة غير واضحة أو ساقطة من الأصل.
الناسخ: هو الكاتب الذي قام بنسخ المخطوط قبل ظهور الطباعة.
تاريخ النسخ: ويُكتب عادة في آخر المخطوط، وهو هام جداً في تقييم النسخة واعتبارها أصلاً أو فرعاً([1]).
*مفهوم التحقيق وشروط المحقق وعمله:
التحقيق في اللغة : مصدر للفعل حَقَّق، جاء في (المعجم الوسيط) : كلام مُحَقَّق: مُحْكَم الصنعة رصين ، وحقّق الشيء والأمر: أحكمه، وقال ابن الأعرابي: يقال: أحْققت الأمر إحقاقاً إذا أحكمته وصححته. وقال الزمخشري في (أساس البلاغة): حقّقت الأمر وأحققته: كنت على يقين منه، وبذلك فالتحقيق في اللغة هو العلم بالشيء ومعرفة حقيقته على وجه اليقين.
التحقيق في الاصطلاح: قال الدكتور عبدالهادي الفضلي في كتابه (تحقيق التراث): هو العلم الذي يُبحث فيه عن قواعد نشر المخطوطات أو هو دراسة قواعد نشر المخطوطات.
وعند الدكتور حسين محفوظ فإنّ التحقيق هو إخراج الكتاب مطابقاً لأصل المؤلف أو الأصل الصحيح الموثوق إذا فقدت نسخة المصنف.
وأمّا الأستاذعبدالسلام هارون فقد عَرّفَ الكتاب المُحَقَّق بأنّه الذي صحّ عنوانه واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه، ويمكن تعريف التحقيق اعتماداً على ما جاء في المنهج الذي وضعته اللجنة المشرفة على نشر كتاب (تأريخ دمشق) بأنه: تقديم نص صحيح، ولا بد أنْ يُعنى باختلاف الروايات فيثبت ما صح منها، وأنْ يتضمن بعض التعليق الموجز في الهوامش لكيلا يثقل النص بتعليقات طوال، وأنْ تضبط الأعلام وتُفَسّر الألفاظ الغامضة، وتُبَيَّن وتُوَضّح النقطة والنقطتان والفاصلة وعلامات الاستفهام والتعجب؛ لأنها تساعد على فهم وتوضيح النص، وتُثبت الآيات القرآنية بين قوسين، ويُشار إلى سورها وأرقام آياتها في السور كما ترقم سطور النص([2]).
وقد عَرَّف الدكتور مجبل المالكي التحقيق في كتابه (تحقيق التراث العربي) بأنه: بَذْل الجهود لقراءة دقيقة مستوفية لنص المخطوط في نسخته الوحيدة أو نسخه المتعددة لغرض استيفاء الشروط المطلوبة في تحقيق عنوان المخطوط ، واسم مؤلفه، ونسبته إليه بما يؤدي إلى إخراج نصٍّ سليم ومتكامل أقرب ما يكون إلى الصورة التي أرادها مؤلفه من خلال تَقَصِّي نسخ المخطوط ومعارضتها وتوخِّي الأمانة العلمية في العناية باختلاف الروايات، وإثبات ما صح منها، والاهتمام بذكر التعليقات الموجزة، وضبط الأعلام، وتفسير الألفاظ الغامضة، وتنظيم مادة النص وتشكيله، وما إلى ذلك من مكملات التحقيق([3]).
* شروط المحقق([4]):
الشروط العامة: مَنْ أراد أنْ يُحقق مخطوطاً ما لا بُدّ أنْ يَتّصِف بأوصافٍ معينة، وأنْ تتحقق فيه عدة شروط عامة، وهي:
1-أنْ يكون عارفاً باللغة العربية، بنحوها وصرفها وبلاغتها وإملائها وأساليبها معرفة وافية؛ ليستطيع قراءة النص وفهمه فهماً صحيحاً.
2-أنْ يكون ذا ثقافة عامة في كل فن.
3-أنْ يكون على دراية كافية بعلم المكتبات، مخطوطها ومطبوعها، يعرف مصادر كل نوع وفهارسه وكيفية معرفة حال أيِّ كتابٍ مطبوعاً أم مخطوطاً.
4-أنْ يكون عارفاً بقواعد العمل بتحقيق المخطوطات وأصول نشر الكتب.
5-أنْ يَتَّصِف المحقق بالأمانة والصبر والحيادية والتواضع والالتزام والاستفادة من ذوي الخبرة، والفطنة، وأنْ يمتاز بدقّة الملاحظة وحسن التنظيم والترتيب([5]).
ب-الشروط الخاصة: على المحقق إضافة إلى ماتقدم من الشروط والصفات العامة أنْ يكون عالماً متخصصاً بموضوع المخطوط أو النص الذي يريد تحقيقه.
* اختيار المشرف على التحقيق:
على الباحث في تحقيق المخطوطات أنْ يختار مشرفاً يعمل تحت إشرافه على أنْ يكون المشرف متخصصاً في الموضوع الذي سيكتب فيه الطالب بحثه لأخذ موافقته، ومخاطبة إدارة الجامعة له إنْ وافقت بخطاب رسمي، علماً بأنّ اختيار المشرف له أهمية كبرى في نجاح البحث؛ لأنّ الطالب وحده -على حد مبلغه من العلم- لا يستطيع أنْ يخرج بحثاً ناجحاً متكاملاً مستوفياً لجميع شروط البحث العلمي إلاّ بمواكبة وإشراف أستاذ عالم فاهم خبير متخصص.
* خطوات التحقيق([6]): ينحصر عمل المُحَقِّق بالخطوات التالية:
الأولى: الخطوة الاعدادية (التعرّف على المخطوط).
الثانية: الخطوة العملية (تحقيق النص والتعليق عليه).
الثالثة: الخطوة النهائية (الطباعة والمناقشة).
أولا: الخطوة الإعدادية (التعرّف على المخطوط).
أ-اختيار التخصص: يجب على الباحث أنْ يُحدِّد التخصص الذي يريد الخوض فيه، وأنْ ينطلق في ذلك من معرفته ودراسته الجيدة للعلم الذي يريد تحقيق مخطوط فيه وميله.
ب-اختيار عنوان المخطوط وشروطه: بعد تحديد موضوع تخصص المخطوط وبعد اختيارالمشرف على التحقيق، يجب على الباحث أنْ يختار اسم المخطوط الذي يريد العمل بتحقيقه معتمداً في ذلك على فهارس المخطوطات العامة والخاصة وفق الشروط التالية:
وقد أجاز بعض العلماء تحقيق كتاب مطبوع سابقاً وفق شروط معينة منها:
1-أنْ يكون مفقوداً أو نادر الوجود لا يتوفر بين أيدي القراء من طلاب العلم والباحثين.
2-أنْ تكون طبعته السابقة رديئة وسقيمة وسيئة، مليئة بالتصحيف والأخطاء فيتعيّن حينئذٍ إعادة تحقيق الكتاب بنص صحيح.
3-أنْ تكون طبعته السابقة خالية من التعليقات المفيدة والفهارس المساعدة على الحصول على مسائل الكتاب بسهولة ويُسْر؛ ليستفيد منه طلبة العلم والباحثون.
وعلى الرغم من ذلك يتشدّد بعضُ العلماء، فيرفض إعادة تحقيق كتاب مطبوع سابقاً ولا يرى في هذا العمل جديداً ولا فائدة، ويعتبره تكراراً لا طائل من ورائه وعلى الباحث - لمعرفة أنْ يكون المخطوط غير مطبوع من قبل- الرجوع إلى الفهارس والمطبوعات الخاصة بذلك، وكذاالرجوع إلى المتخصصين في ذلك واستشارتهم.
جـ-التحقق من نسبة الكتاب للمؤلف، ومن اسم الكتاب والمؤلف: قبل أنْ يبدأ الباحث بتحقيق المخطوط عليه التأكد من صحة نسبة الكتاب لمؤلفه والتأكد أيضاً من صحة عنوانه بالصورة التي سمّاها به المؤلِّف، ويكون ذلك أولاً: بقراءة نص الكتاب؛ لأنه بقراءة الكتاب قد يجد الباحث قرينة تُؤكِّد نفي اسم الكتاب إلى صاحب الإسم المذكور عليه، أو أنْ يجد الباحث عنواناً آخر للمخطوط نفسه. وثانياً: بالرجوع إلى المصادر القديمة ، كفهارس المؤلفين ، والكتب ومعاجم الشيوخ، وكتب التراجم والطبقات، وفهارس المكتبات العامة والخاصة، كما يجب على المحقق أثناء ذلك التأكد من اسم المؤلف وضبطه؛ لأنه قد يحدث في بعض المخطوطات غلط في اسم المؤلف ينتج ذلك إمّا لاشتباه اسم المؤلف واسم أبيه باسم مؤلف آخر، أو اتفاق مؤلفين بالكنية أو اللقب أو الشهرة.
د-معرفة عدد نسخ المخطوط ودراستها وتقويمها: على الباحث البحث عن عدد النسخ للكتاب المخطوط الذي اختار العمل به وأماكن وجودها في العالم لدراستها وتقييمها واختيار وتحديد ثلاثة منها ليبدأ عمله استناداً عليها، ويكون ذلك بواسطة فهارس المخطوطات الخاصة والعامة، ومن خلال دراسة الباحث للنسخ وتقييمها يمكن أنْ يتوصل إلى إحدى الحالات التالية:
الأولى: الحصول على نسخة واحدة فقط هي النسخة الفريدة اليتيمة في العالم.
الثانية: الحصول على نسخة واحدة فقط من بين نسخ كثيرة؛ لعجز الباحث في الحصول على النسخ الأخرى.
الثالثة: الحصول على نسخ متعددة.
ففي الحالة الأولى، يمكن للباحث تحقيق المخطوط بالشروط التالية:
1-التأكد من عدم وجود نسخة أخرى للكتاب.
2-اكتمال الكتاب من أوَّله إلى آخره.
3-وجود مصادر كافية لتحقيق الكتاب وإخراج نصه.
وفي الحالة الثانية، ترفض إدارة الجامعة العمل بتحقيق الكتاب، ويتعذر ذلك على الباحث لإمكانية وجود نسخة المؤلف أو نسخ أخرى مساعدة تحلّ مشاكل الكتاب كالتحريف والتصحيف والسقط الكثير.
وفي الحالة الثالثة، على الباحث أنْ يجري على النسخ المتعددة دراسة ليُحَدِّد أفضلها، ويعتبرها أصلاً، ويرتب النسخ الفرعية الباقية حسب قدمها في الزمن للمقابلة على الأصل وبيان فوارقها.
وتُصَنّف النسخ وتُرَتّب حسب أهميتها كالآتي:
1-تقدم بالدرجة الأولى نسخة المؤلف المبيضة إذا وجدت وتعتبر أمّاً.
2-النسخة التي أملاها المؤلف على تلميذه.
3-النسخة التي قرأها المؤلف بنفسه وكتب بخط يده ما يثبت قراءته لها.
4-النسخة التي قُرِئَتْ على المؤلف وأثْبَتَ بخط يده سماعه لها.
5-النسخة المنقولة عن نسخة المؤلف.
6-النسخة المقابلة على نسخة المؤلف.
7-النسخة المكتوبة في عصر المؤلف وعليها سماعات من العلماء مثبتة بخطوطهم.
8-النسخة المُسْتَنْسَخَة في عصر المؤلف وليس عليها سماعات.
9-النسخة المكتوبة بعد عصر المؤلف وعليها سماعات.
10-النسخة المكتوبة بعد عصر المؤلف وليس عليها سماعات.
ويُؤخذ دائماً بالأقدم تأريخاً، كلّ هذا يُؤخذ بالاعتبار إذا كانت النسخ مؤرخة، ولم يعارض ذلك اعتبارات أخرى تجعل بعض النسخ أولى من بعض في الثقة والاطمئنان كصحة المتن ودقّة الكاتب وقلّة الإسقاط.
هـ-تحديد المصادر الأولية للتحقيق: يجب على الباحث أنْ يُحَدِّد مصادره التي سيرجع إليها أثناء تحقيق المخطوط ؛ للتوثّق من نَصِّ المُؤَلِّف وصحّة نقوله وآرائه، ولشرح الغامض، وخدمة النص، ولإعداد الدراسة، وأنّ من أهم ما يدفع بالبحث إلى النجاح كثرة مصادره ومراجعه واستيفاء الباحث الاطلاع عليها جميعاً أو على معظمها، وإنّ وقوف الباحث على المصادر التي يحتاج إليها ، وحُسْن استفادته منها يُعَدُّ أساسياً في عمله، ويُطلب من الباحث تسجيل ما بين (15-20) مصدراً أولياً في مشروع بحثه الذي يُقدمه لإدارة الجامعة؛ ليطلع عليه المجلس العلمي، ويبدي موافقته عليها أو مناقشتها وتعديلها، و من ذلك فهارس المكتبات الخاصة والعامة والموسوعات العلمية المتخصصة، ودوائر المعارف التي تتناول العلم الذي ينطوي تحته موضوع الباحث والمصادر الببليوغرافية.
على الباحث أنْ يُخصص لكل مصدر من مصادر البحث والمراجع بطاقة مستقلة، ويُستحسن أنْ يُرَتِّب مصادره ومراجعه ترتيباً زمنياً ليقف على التطور التاريخي لبحثه، ويستطيع أنْ يقارن بين المتأخر منها والمتقدم، ويفضل البعض ترتيبها موضوعياً، أو ألفبائياً، أو حسب المؤلفين، والأفضل الجمع بين الترتيب الموضوعي والزمني بأن يرتب بطاقات كل علم من العلوم على وفيات المؤلفين، ويدوّن على البطاقة ما يلي:
فالمصادر: هي أقدم مايحوي مادة عن موضوع ما، وبعبارة أخرى: هي الوثائق والدراسات المكتوبة بأيدي المؤلفين أنفسهم أو المعاصرين لحدث معين، عاشوا الأحداث والوقائع ودوّنوها فكانوا مصادر لمن بعدهم أو كانوا هم الواسطة الرئيسة لنقل وجمع العلوم والمعارف السابقة للأجيال اللاحقة.
والمراجع هي التي تعتمد في مادتها العلمية أساساً على المصادر الأصلية الأولى، فتنقل منها وتتعرض لها بالشرح أو التحليل أو النقد أو التعليق أو التلخيص.
ثانياً: الخطوة العملية (تحقيق النص والتعليق عليه).
أ-الحصول على المخطوط من أماكن وجود مخطوطته في مكتبات العالم وانتساخه.
ب-مقابلة النسخ: بعد نسخ المخطوط من النسخة الأصل، على المحقق أنْ يقابل المنسوخ على النسخ الفرعية إذا كان يوجد للمخطوط أكثر من نسخة، فإذا كانت النسخ متفاوتة في الأهمية والاعتبار، وقد رتّبها الباحث وفق أهميتها واعتبارها، واعتمد أهمها وأعلاها قيمة أصلاً والبواقي نسخاً ثانية، فإنّ طريقة المقابلة تأتي على النحو الآتي:
1-اعتماد النسخة الأصل هي نسخة النص الأساسي.
2-الرمز للنسخة الأصل بـ(أ) أو (أصل) أو بأيِّ رمز آخر يشير إليها، ويرمز لبقية النسخ بما يشير إليها أيضاً وفق التسمية التي يختارها الباحث، كنسبة النسخة إلى ناسخها، أو إلى المدينة الموجودة فيها، أو إلى المكتبة المحفوظة فيها، وما شاكل هذا.
3-يكتب الباحث الفروق بين النسخة الأصل والنسخ الأخرى في الهامش مسبوقة بالرمز للنسخ.
تقويم النص:
يُراد بالتقويم هنا: معناه اللغوي الدال على تعديل الشيء وإزالة العوج. يقال: قوَّم الشيء تقويماً، أي:عَدَّلَه تعديلاً، أمّا النص فيراد به متن الكتاب.
وتقويم النص يعني: إبراز الكتاب كما وضعه مؤلفه، وذلك بإصلاح ما طرأ عليه من تغيير وتبديل، وتعديل ما لحقه من درءٍ وعوج.
والزيغ الذي يقع في النص نتيجة سهو المؤلف أو غفلة الناسخ أو جهله أو تعمّده لغاية ما يتمثّل في الظواهر التالية:
التصحيف-التحريف-الخطأ.
ومعرفة كل هذه الظواهر الثلاث تتطلب ما يلي:
1-قراءة النص عدة مرات بتأنٍّ وانتباه وتركيز.
2-معرفة لغة المؤلِّف وأسلوبه من خلال النص.
3-مراجعة كتب المؤلَّف الأخرى إنْ وُجِدَتْ وكانت تشارك النص في مادته كلاً أو بعضاً.
4-مراجعة بعض المؤلَّفات الأخرى لغير مؤلِّف المخطوط التي تشارك المخطوط في موضوعه.
وغالباً أو عند الأكثر لا يُفَرَّق بين التصحيف والتحريف من حيث المعنى، فكلُّ خطإٍ في كتابة أو قراءة الكلمة هو تصحيف، ويقال له أيضاً: تحريف.
د-التعليق على المخطوط:
بعد أنْ يكمل الباحث المقابلة بين النسخ، يبدأ عملية التعليق على النص في الهامش، فيرى البعض أنْ على المحقق إخراج النص بشكل واضح صحيح كما كتبه مؤلفه، أي الاقتصار على التحقيق فقط دون تعليق أو إثقال للنص بتعليقات وهوامش تشوّش القارئ، وتصرف ذهنه إلى أمورٍ بعيدة عن سياق النص والمعنى العام للكتاب ممّا يتوسع به بعض المعلقين ويستعرضون علومهم ومقدرتهم في كتب الأئمة وكبار العلماء.
وذهب البعض الآخر إلى الاقتصار في التعليق على ما يخدم النص ويوضحه للقارئ، وهو الراجح في تحقيق المخطوطات، ويتضمن التعليق ما يلي:
1-بيان فوارق النسخ.
2-تخريج الآيات القرآنية.
3-تخريج الأحاديث النبوية.
4-تخريج الأقوال وتوثيقها.
5-تخريج الأشعار والأمثال والحكم.
6-التعريف بالكلمات الغريبة.
7-التعريف بالأعلام المغمورة.
8-التعريف بالأمكنة والأزمنة والوقائع الغامضة.
9-مناقشة آراء المؤلف.
10-توثيق المسائل وبيان أدلتها.
11-توثيق النقول التي اقتبسها المؤلِّف بعزوها لمصادرها.
يُفَضِّل بعض الباحثين كتابة التعليقات في أسفل الصفحات، بينما يُفَضِّل البعض الآخر جمعها في آخر الكتاب، والطريقة الأولى أسهل للقارئ؛ لأنه يجد التعليق أمامه دون البحث عنه في مكان آخر.
ثالثاً: الخطوة النهائية ( الطباعة والمناقشة).
أ-إعداد المقدمة والدراسة والخاتمة: بعد أنْ يكون الباحث قد انتهى من مقابلة المخطوط على النسخ الفرعية، وبيان فوارقها والتعليق عليها في الهوامش، بذلك يكون قد عاش فترة طويلة مع المخطوط وفَهِمَ كُلَّ ما يتعلق به، وحينئذٍ يستطيع كتابة مقدمة التحقيق والدراسة والخاتمة.
على المُحَقِّق أنْ يقدم لقارئ المخطوط بذكر مقدمة صغيرة بحدود أربع إلى خمس صفحات أولاً قبل الدراسة الموسعة يذكر فيها أسباب اختيار الكتاب، ثم يكتب بعد ذلك دراسة مفصلة بحدود (50-100) صفحة، يذكر فيها عدة أمور تساعد على التعرف على: مؤلف الكتاب المخطوط، وعلى قيمة الكتاب وأهميته وكيفية تأليفه ووصوله إلينا، وعلى منهج التحقيق، وبيان ووصف نسخه الخطية ونماذج منها.
وأخيراً الخاتمة، وفيها يحصر الباحث نتائج عمله تحديداً ببيان خلاصة ما توصل إليه بعد الجولة الطويلة في العمل بمخطوطه، وماذا يقدم هذا الكتاب للناس من فائدة، وما هي مميزاته وبما ينفرد عن سواه، وما هي قيمته وأهم مسائله بحدود صفحة أو صفحتين بعد النص المخطوط ([7]) .
ب-المراجعة النهائية والطباعة والتصحيح.
يتم مراجعة البحث مراجعة نهائية وطباعته وتصحيحه بعد قراءته قراءة متأنية وإدخال جميع التصحيحات، ومن ثم وضع الفهارس الفنية ومراجعته مراجعة أخيرة وتجهيزه للطباعة أو المناقشة إنْ كان بحثاً أكاديمياً.
ومن هنا يكون التحقيق جهداً علمياً هاماً لا يقل أهميةً عن التأليف، بل هو جهد وطني يعمل على إحياء تراث الأمة والتعريف به وإبرازه لينير السبيل أمام الأجيال الصاعدة، ونحن أحوج ما نكون إلى تحقيق تراثنا ونشره وبخاصة التراث العلمي منه.
([1]) د. يوسف المرعشلي : تحقيق المخطوطات ، طبعة دار البشائر الإسلامية ، بيروت- لبنان ، الطبعة الثانية 2010م.
([2]) د. مجبل لازم المالكي: دراسة تحليلية بعنوان: (تحقيق المخطوطات اليمنية ونشرها) مجلة الإكليل الفصلية الصادرة عن وزارة الثقافة، العددان (29، 30) يناير- مارس2006م؛ نقلاً عن المجمع العلمي العربي، تأريخ دمشق 1952م.
([3]) د. مجبل المالكي: ملزمة بعنوان: (تحقيق التراث العربي نشأته ومناهجه) صادرة عن مركز الزهيري للخدمات الطلابية- كلية الآداب، جامعة صنعاء.
([4]) د. يوسف المرعشلي : المصدر السابق.
([5]) د.عبدالله الحوثي: الوافي في خطوات تحقيق ونشر المخطوطات ، مج2 إصدارات وزارة الثقافة، الطبعة الأولى عام 2004م.
([6]) د. يوسف المرعشلي: المصدر السابق.
([7]) د. يوسف المرعشلي: تحقيق المخطوطات.