قال الله تعالى عن نفسيات المنافقين وبعض أحوالهم { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } وقال سبحانه عن حملة هذا الداء الخبيث في سياق آخر{ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)
بتدبر هادئ في سياق هذه الآيات القرآنية المباركة وتأملٍ صادقٍ في بعض الأوصاف و المصطلحات في هذه النصوص القرآنية تتجلى عدة حقائق عن المنافقين وتتكشف الكثير والكثير من المواقف والممارسات الصادرة عنهم ويظهر هذا السياق مدى السقوط العقدي والشذوذ الفكري والانحراف الثقافي لهذه الشريحة المحسوبة على الإسلام والمسلمين وكفى بالقرآن شاهدا ودليلا على مدى انحراف نفسيات هؤلاء القوم الذين قال الله عنهم{في قلوبهم مرض}وفيها{أضغان} ولهم(سيماهم) أي مظاهرهم النفاقية التي يعرفون بها ولهم أقوال شاذة وتوجهات منحرفة تميزهم وتعبر عنها وعنهم أقوالهم كما قال تعالى { ولتعرفنهم في لحن القول} ونظرا لخطورة هذا النوع من البشر على الأمة ماضيا وحاضرا ومستقبلا فقد تكفل الله تعالى بإخراج {ما يحذرون} مما تكنه صدورهم وتنطوي عليه ضمائرهم من الشر المحدق بالأمة وبدينها الذي جعلوه مطية لنيل مآربهم وتجارة لجني الأرباح كما قال الله عنهم{ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16).وبناء على كل ما سبق ذكره من حيثيات ومصطلحات فيما يخص النفاق والمنافقين نقف اليوم مع النفاق كدولة والمنافقين كحكام وأنظمة بل ومدارس ومساجد ومعاهد ومراكز محسوبة على القرآن والإسلام والإيمان نقف مع نموذج متمثلٍ في النظام السعودي الذي تبرهن ممارساته وتؤكد مواقفه النفاقية على مدى الاستغلال والتوظيف السياسي والديني المشين للحرمين ومدى التحكم في شؤون الحج والحجاج والتلاعب بدين الله والضحك على ضيوف الرحمن والتغرير عليهم تحت عناوين وشعارات لا تمت إلى الواقع والدين بشيء. بل ينسجم ويتلاقى ذلك التوظيف النفاقي مع الأهداف الصهيونية والمصالح الأمريكية وأسهم ولا زال في تدجين الأمة وإضعافها وتفريق كلمتها وتمزيق لحمتها والقضاء على هيبتها بين الأمم.
لذا كان من الأهمية بمكان الوقوف بصراحة مع النظام السعودي وأسرته الحاكمة لنقيم سلوكها الأخلاقي ومسارها السياسي وتوجهها الديني ومواقفها المتنوعة ونعرضها على القرآن ليكون هو المرآة والمعيار الحقيقي والحاسم الذي يمكن من خلاله أن نقيم حقيقة الحكم وحقيقة هذه الأسرة وغيرها من الأسر والأنظمة الحاكمة ونظرا لخطورة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية والأخطار المحدقة بها صار لزاما على كل الحكماء والعقلاء أن يقيموا سياسة هذه الأسرة ويربطوا حاضرها بماضيها وسلوكياتها بأيدلوجيتها وعلاقاتها أو سياستها مع دول الكفر بمعايير القرآن ومسلمات الإسلام و ثوابت الشريعة.
إن ولاية النظام السعودية على الحرمين الشريفين وإدارته لشؤونها يجب أن يخضع للتقييم كون هذا النظام يزعم أنه الأمين والمؤتمن على هذا المقدسات وأنه نعم الخادم لضيوف الرحمن القادمين من كل فج عميق يأتون بشوق ولهفة ومشاعر فياضة لتعظيم شعائر الله والاستفادة الروحية والتربوية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية إلا أن كل تلك الآمال العريضة والقيم العظيمة والنفحات الإلهية التي يتطلع إليها ضيوف الرحمن حاجين ومعتمرين تصطدم بتلك العقول المتحجرة والطباع القاسية والنظرة السوداوية للوهابية والوهابيين الذين جعلوا الوهابية معيارا للإسلام والولاء والبراء وجعلوا من الملوك والأمراء وعلماء السوء {أربابا من دون الله} ووكلاء على البشر في دينهم ودنياهم كما هو الحاصل والمشاهد من تدخلاتهم السافرة في شؤون الدول الداخلية في اليمن وليبيا وسوريا والعراق ولبنان وإيران وباكستان وفلسطين وغيرها من الدول.
لذا فقد آن الأوان أن يعي المسلمون قاطبة أن يعلموا علم اليقين أن أسرة آل سعود أسرة قد انسلخت انسلاخا كليا من كل القيم والمؤهلات الدينية والأخلاقية والإنسانية وأنها أسرة لا صلة لها بالله ولا برسوله ولا بقرآن ولم تكن هذه الأسرة ولن تكون يوما من الأيام أمينة على الوظيفة الرسالية والروحية والتربوية والاجتماعية والسياسية للحرمين الشريفين بل تعمل هذه الأسرة على الضد من ذلك حيث يثبت الواقع و تؤكد الوقائع والمواقف التي تتبناها والأجندات التي تنفذها هذه الأسرة تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها أسرة وظيفية زرعت كنبتة سامة قد أسقيت بآياد صهيونية حتى صارت شجرة خبيثة لا تخرج إلا ثمار خبيثة تضر ولا تنفع .تهدم ولا تبني .تفرق ولا تجمع. تعمق الانقسامات وتغذي التباينات وتوزع خبثها ونكدها على الأفراد والجماعات والدول والمجتمعات قال تعالى{ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا }
لقد زرع هذا النظام في قلب الأمة كما زرعت إسرائيل في بلادنا الإسلامية بغية تقسيمه وتمزيقه ونهب خيراته وثرواته وتدجين الأمة الإسلامية وترويضها لتمرير سياسات ومخططات دول الكفر والشواهد التاريخية كثيرة على هذا الكلام فلا يكاد يمر يوم ولا أسبوع إلا ونرى زيارة أو اتصالا أو رسالة أو تصريحا للنظام السعودي يصب في خدمة اليهود والنصارى ولا يصب في خدمة الإسلام والمسلمين ويسهم في تقوية الأعداء للأمة وتمكينهم منها بواسطة هذه الأسرة التي لا زالت تستغل وتستثمر المقدسات الإسلامية الاستغلال الطائفي والمذهبي والمناطقي والسياسي وتمارس التدجين الممنهج للأمة خدمة لأمريكا والصهيونية وترفع الدعوى التي رفعها فرعون ودعواه تمثلت وتلخصت في أنه حسب زعمه وزعمهم اليوم أنهم الحريصون والغيارى على الدين والحفاظ على الأمة من الفساد هكذا هي عناوين وشعارات الفراعنة التي يواجهون بها المصلحين في كل زمان كما أكد القرآن قال تعالى { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} والأسرة السعودية كانت ولا زالت تضرب بمحكمات الدين ومسلمات القرآن والشريعة الإسلامية عرض الحائط.
لازال هذا النظام ومن يدور في فلكه من علماء الوهابية يتنكرون للدين جملة وتفصيلا بدليل الانفتاح على الثقافة الغربية والتقاليد الأجنبية وحذوهم حذو بني إسرائيل حذو القذة بالقذة وفتحهم لدور السينما والتبرج والسفور والمجون تحت مبرر الترفيه فكل هذه التطورات والممارسات خير شاهد وبرهان على أن ولايتهم على الحرمين الشريفين ولاية باطلة وساقطة, يؤكد هذا الحكم ويعزز هذه القناعة النصوص القرآنية المحكمة لا سيما تلك الآيات التي تكشف حقيقة النفاق وتبين نفسيات المنافقين ومن أبين وأصدق هذه النصوص قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وقوله تعالى { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } وقوله تعالى{ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} وقوله تعالى{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} فكفى بهذه الآيات القرآنية برهانا وشاهدا وحجة _لكل مسلم غيور على المقدسات_ على إسقاط ولاية وإدراة النظام السعودي للحرمين الشريفين.
إن بقاء هذه الأسرة متولية أو مديرة و مشرفة على الحرمين الشرفين لهو جريمة من أكبر الجرائم ومنكر من أقبح وأشنع المنكرات التي يجب أن تتحرك الأمة لإزالته وتغييره وإعادة الدور الإسلامي الحقيقي والجوهري لهذه المقدسات التي وظفها هذا النظام التوظيف المذهبي والسياسي المنسجم مع هواه وأهواء اليهود والنصارى وما كلام عبد الرحمن السديس خطيب وإمام الحرم المكي عن ترامب ومناقبه إلا خير دليل على كلامنا.وما استقبال واستضافة ترامب في بلاد الحرمين ذلك الاستقبال إلا دليل على مدى السقوط في مستنقع العمالة والخيانة لله وللمؤمنين والمقدسات وأنه لا يجوز أن يبقوا دقيقة واحدة بل ثانية على بلاد الحرمين استنادا إلى ما سبق وإلى قوله تعالى{ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وإلى قول المولى سبحانه { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}
إن من الأهمية العودة الصادقة للقرآن الكريم لفهم واستيعاب الشروط والمؤهلات المتعلقة بموضوع الولاية على الأمة عموما وعلى مساجد الله وبيوته خصوصا والتي صار الوعي بها فرض عين على كل مسلم لا سيما العلماء والدعاة والخطباء والمؤسسات الدينية والعلمائية ليعرفوا هم ويعرفوا الأمة ويعلموها من خلال القرآن المؤهلات الإيمانية لمن يكون على مساجد الله ؟ ومن هو المؤهل والمؤتمن لعمارة بيوت الله وخدمتها وإدارتها والإشراف عليها؟ ومن لا يكفيه ويشفيه ويبصره القرآن في هذا الموضوع فلا شفاه الله وكفى بالآية الرابعة والثلاثين من سورة الأنفال والآية الثامنة عشر من سورة التوبة دليلا لمحاسبة ومحاكمة آل سعود وبيان مدى انحرافهم عن هذه المؤهلات القرآنية والمعايير الإلهية التي بينها الله تعالى وجعلها شرطا لكل من يشرف على مساجده ومقدساته.
لقد آن الأوان للتحرك الجاد والمسؤول لكشف مدى الزيف والحيف الذي مارسه ولازال يمارسه النظام السعودي وبيان حقيقته وما هو عليه من جهل وسفه وطيش وشذوذ سياسي وفكري وتلاعب بالدين فهذا ما يجب أن يعلمه كل مسلم ويستوعبه ليكون في منعة ووقاية من سياسة الظلمة والمجرمين أمثال آل سعود وإلى هذا المبدأ القرآني بل والإنساني الهام –مبدأ الولاية على الأمة والمقدسات وغيره-تكلم الإمام علي قائلا: وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَلَا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَلَا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَلَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْما دُونَ قَوْمٍ وَلَا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَلَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الْأُمَّةَ.