الجواب وبالله التوفيق :
ورد بخصوص فضل ليلة النصف من شعبان روايات عدة ، وعلى أساسها استند كثير من العلماء على فضلها وشرفها ، وإن كان قد ضعّفها آخرون وقال بأنها موضوعة.
فمن تلك الروايات ما هو مروي في كتب أهل البيت عليهم السلام وكتب غيرهم ، ومن ذلك ما رواه أحمد بن عيسى بن زيد عليه السلام بسنده إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام ؛ قال : لما كانت ليلة النصف من شعبان جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرع الباب ، ثم قال : «يا علي ابن أبي طالب ويا فاطمة بنت محمد ؛ خُذا لهذه الليلة أًهبتها ، فإنه إذا كان في هذه الليلة نزل الله إلى السماء الدنيا _ أي نزلت رحمته _ فيغفر كل ذنب ويعطي فيها كل ما سأل »، وهذا طبعاً لا يكون إلا لمن تعرّض فيها لرحمة الله بالتوبة والتضرع والخضوع والدعاء والصلاة والذكر .
وفيها ما رواه المرشد بالله في أماليه بسنده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا _ والمعنى نزول رحمته - فيقول : هل من سائل فأعطيه سؤله ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأقبل توبته ، هل من مَدِيْنٍ فأسهل عليه قضاء دينه».. فاغتنموا هذه الليلة وسرعة الإجابة فيها.
ومما ورد في فضل الصلاة في ليلة النصف من شعبان : ما رواه الإمام أبو طالب في أماليه بسنده إلى كميل بن زياد عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف مرة قل هو الله أحد ، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ، ولم يمت حتى يرى مائة ملك يؤمّنونه من عذاب الله ؛ ثلاثون منهم يبشرونه بالجنة ، وثلاثون كانوا يعصمونه من الشيطان ، وثلاثون يستغفرون له آناء الليل والنهار ، وعشرة يكيدون من كاده».. وروى الفاكهي في كتابه «أخبار مكة» بسنده إلى أبي يحيى عن أبيه ، قال حدثني بضعة وثلاثون رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رضي الله عنهم قالوا : «من صلى ليلة النصف من شعبان - وقال ابن أبي سليمة في حديثه (وليلة النصف من رمضان) مائة ركعة ، يقرأ فيها ألف مرة "قل هو الله أحد" في كل ركعة عشر مرات ، لم يمت حتى يعطيه الله عزّ وجلّ مائةً من الملائكة ؛ ثلاثون منهم يبشرونه بالجنة وثلاثون يؤمنونه من عذاب الله عز وجلّ ، وثلاثون منهم يعصمونه من الخطايا ، والعشرة الباقية يكيدون من عاداه. " .
ومنها ما ذكره الزمخشري في تفسيره حيث قال : " وقيل هي مختصة بخمس خصال ؛ تفريق كل أمر حكيم ، وفضيلة العبادة فيها ، وأورد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك ؛ ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار ، وثلاثون يدفعون عنه مكائد الشيطان ـ ـ ونزول الرحمة وأورد حديثاً فقال : " إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب " .. وحصول المغفرة ، وأورد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق لوالديه أو مُصر على الزنا" وما أعطي فيها النبي من تمام الشفاعة ، قال الزمخشري : وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث ، ثم سأل الرابع عشر فأعطى الثلثين ، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع ، إلا من شرد عن الله شراد البعير . قال الزمخشري : ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة ، قال : والقول الأكثر إن المراد بالليلة المباركة ليلة القدر.
ومما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ما أخرجه ابن ماجه والبيهقي في شُعب الإيمان عن علي كرم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا -أي تتنزل فيها رحمته- فيقول أَلَا مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه ، ألا كذا ... ألا كذا .. حتى يطلع الفجر».
وما أخرجه الترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي وابن ماجه عن عائشة قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة ، فخرجت أطلبه ، فإذا هو بالبقيع رافعاً رأسه إلى السماء فقال : يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله تعالى عليك ورسوله ، قالت: ما بي من ذلك ، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا -أي تنزل رحمته- فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب ».
ومنها ما أخرجه عبدالرزاق الصنعاني بسنده إلى ابن عمر ، قال : "خمس ليال لا يُرد فيهن الدعاء ؛ ليلة الجمعة ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلتا العيدين" ..
وما أخرجه الخطيب في رواية عائشة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : "يفتح الله الخير في أربع ليال ؛ ليلة الأضحى ، والفطر، وليلة النصف من شعبان، ينسخ فيها الآجال والأرزاق ، ويكتب فيها الحاجات ، ولم يذكر الرابعة"
وما ذكره الألباني في سلسلته "الصحيحة" ج 13/135 "إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" .. وقال : حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً ، وهم معاذ بن جبل وأبو ثعلبة الخشني وعبدالله بن عمر وأبو بكر وعوف بن مالك وعائشة ، ثم ساق حديث كل واحد منهم . قال مؤلف مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج4/325 بعد أن ذكر بعض الروايات في فضل ليلة النصف من شعبان وما قيل فيها ، قال : "لكنه ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان أحاديث أخرى، وقد ذكر المصنف بعضها في الفصل الثالث ، وسنذكر بقيتها هنا إن شاء الله تعالى ، وهي بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضلها شيء .
وقال المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي : إعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلاً . وساق بعضاً منها وما قيل فيها .
وقال صاحب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح بعد ذكره للروايات وما قيل فيها: وهذه الأحاديث كلها تدل على عظم خطر ليلة النصف من شعبان ، وجلالة شأنها وقدرها ، وأنها ليست كالليالي الأخر فلا ينبغي أن يُغفل عنها ، بل يستحب إحياؤها بالعبادة والدعاء والذكر والفكر ... الخ.
وذكر ابن حجر الهيثمي في فتاواه بعد أن ذكر الروايات وضعفها فقال: الحاصل أن لهذه الليلة فضلاً، وأنه يقع فيها مغفرة مخصوصة ، واستجابة مخصوصة , ومن ثم قال الشافعي رضي الله عنه : إن الدعاء يستجاب فيها ، قال : وإنما النزاع في الصلاة المخصوصة ليلتها.
قلت : وبعد استعراض جميع ما ذُكر آنفاً يتبين حقاً أن فضيلة ليلة النصف من شعبان لها أصل في السنة ، وأنه لا ينبغي تجاهلها , ولا يُلتفت إلى كلام من ينكر ذلك ويجعل إحياءها من البدع والمنكرات، والله أعلم.