الجواب وبالله التوفيق:
وجوب صلاة الجمعة معلوم من الدين بالضرورة، وقد ورد في فضلها «أن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر»، وغير ذلك كثير، والسؤال لم يتطرق لفضلها. وهي واجبة على من بلغ الحلم من الرجال؛ فلا يجوز للمسلم أن يتخلف عنها أو يتأخر لغير عذر شرعي كمرض أو سفر ونحو ذلك. أمّا التأخر عنها من أجل البيع والشراء أو التمشي أو الرحلات فذلك لا يجوز، وقد ورد بخصوص البيع والشراء أثناء الجمعة قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون﴾[الجمعة:9]. فقد أمر الله بترك البيع والشراء وقتَ صلاة الجمعة، ونهى عن ذلك ، وفاعل ذلك يكون قد خالف أمر الله وارتكب المحظور وتعدى حدود ما أنزل الله؛ سواء كان ممن يبيع القات أو يشتريه أو من يبيع أي سلعة أخرى ويشتري؛ فذلك لا يجوز لأن فيه المخالفة المذكورة، وانتهاك حرمة صلاة الجمعة، حيث أن الله قد فضّل يوم الجمعة على سائر الأيام، وورد في ذلك أن أفضل يوم يومُ الجمعة إلى غير ذلك.
والمسلم هو الذي يعظم حرمات الله ويحترم شعائر الله؛ فيتهيأ للجمعة بالغسل والتطيب والحضور مبكراً ليجد المحل المناسب في الصفوف الأولى ليستمع إلى الخطبة وينتفع بها ويؤدي الصلاة، وينقلب من المسجد إلى بيته بذنب مغفور وعمل مأجور. فإذا أراد أن يبيع أو يشتري بعد الصلاة فذلك مباح له قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾[الجمعة:10] .
ولا ينبغي ولا يجوز التهاون في شأن الصلوات جميعها لاسيما صلاة الجمعة، لأن في الحفاظ عليها سراً عظيماً ورابطاً وثيقاً بين العبد وربه، وفي الحفاظ عليها تَعَرُّضٌ لرحمة الله، وتقرّبٌ إليه بما أمرنا أن نتقرب به إليه، الأمر الذي يكسبنا الزلفى من الله، والفوز برضاه جل وعلا.
وما ورد في السؤال عن الصلاة خارج المسجد، فإن صلاة الجمعة خارج المسجد لغير عذر شرعي لا تصح، وعلى من فعل ذلك أن يعيدها، لأن من شرط صلاة الجمعة الحضورَ إلى المسجد، واستماع الخطيب، فإذا كان هناك عذر شرعي كأن يمتلئ المسجد فلا يجد له محلاً فيه جازت الصلاة خارجه بشرط أن يكون المكان طاهراً وأن تتصل الصفوف.
وكما قلت لا يجوز التهاون والتكاسل والتأخر لغير عذر، كما لا يجوز التخلف عنها وقد ورد النهي والتشديد على من تخلف عنها؛ فعن أبي الجعد الضمري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه»، وورد أيضاً عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وهو على أعواد منبره «لينتهين أقوام عن وَدَعِهم (أي تركهم) الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم وليكونن من الغافلين» رواهما النسائي ومسلم.