حوار مع السيد العلامة عدنان الجنيد

نشر بتاريخ: أحد, 22/04/2018 - 9:50ص

▪ ماهي أبرز القواعد الفقهية وأهم المرتكزات الفكرية للفقه والمدرسة الشافعية في اليمن؟

الجواب : للفقه الشافعي قواعده الفقهية التي يتميز بها عن غيره من المذاهب  والشافعي - رحمه الله- اتخذ طريقاً وسطاً بين مدرستي أهل الرأي وأهل الحديث، إلا أن هناك قواعد فقهية تكاد أن تكون مشتركة بين الشافعية وغيرهم وهي ما تسمى بالقواعد الخمس والتي تعد من القواعد الأساسية للفقه الشافعي وهي:

أ - الأمور بمقاصدها. ب - اليقين لا يزول بالشَّك. جـ - المشقة تجلب التيسير. د - الضرر يزال. هـ - العادة مُحكمة.

هذا في الجانب الفقهي أما في الجانب الفكري فالشافعية متميزون بولائهم وحبهم لآل البيت - ع - وعقيدتهم الأشعرية تدعوا إلى تنزيه الله تعالى من التجسيم وأنبيائه من النقص كما أن معظم الشافعية يتخذون من التصوف سلوكاً ومنهجاً روحياً ويحبون الأولياء والصالحين ويحيون المناسبات الإسلامية كمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

إضافة إلى نبذهم كل مخرجات الفكر التكفيري الوهابي ويحبون كل من يعظم رسول الله وآل بيته والأولياء والصالحين.


▪ متى نشأ التصوف في اليمن ؟ وكيف ؟ ومامعالم المدرسة الصوفية في اليمن ؟ وماهي مدارسها ؟

الجواب :  التصوف من حيث ماهيته وحقيقته قد جاءت به الكتب الإلهية وجاء به الأنبياء ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

دعا أمته للإخلاص في عباداتهم والورع في مآكلهم ومشاربهم والصدق في أقوالهم وأفعالهم والزهد في دنياهم والأخلاق في معاملتهم ..إلخ. وكل هذه الأمور هي خلاصة التصوف، ومن أتصف بهذه الصفات وعمل بما دعا إليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو يُعد صوفياً حتى وإن لم يتسم بهذا الاسم، فالله تعالى ذكر في القرآن طوائف الخير والصلاح ، فسمى قوماً أبراراً وآخرين مقربين ، ومنهم الصابرون والصادقون والذاكرون والمحبون..

 واسم الصوفية مشتمل على جميع المتفرق في هذه الأسماء المذكورة وهذا الاسم- الصوفي- لم يكن في زمن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم لكن قيل - كما في بعض الكتب الصوفية مثل كتاب عوارف المعارف: كان في زمن التابعين ثم أتوا بأدلة منها أنه نقل عن الحسن البصري رحمة الله عليه أنه قال: رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً، فلم يأخذه، وقال: معي أربع دوانيق ، يكفيني ما معي... ويسند هذا ما روي عن سفيان أنه قال:(لولا أبو هاشم الصوفي، ما عُرِفَ دقيق الرياء) .

نفهم من هذا أن التسمية- الصوفية- ظهرت بعد عهد النبوة في القرن الثاني الهجري وذلك أن الناس بعد انقراض عهد النبوة وعهد الأربعة الخلفاء- رضي الله عنهم، هرعوا إلى الدنيا واغتروا بزخرفها ، فتزعزعت أبنية المتقين، واضطربت عزائم الزاهدين وكثرت الجهالات واستبيحت الحرمات ، وأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً والتاريخ شاهد على ما حدث في عهد بني أمية وبني العباس.

فلما ظهر الفساد بكل أشكاله تفردت طائفة من الناس بأعمال صالحة، فزهدوا في الدنيا ومحبتها ، واغتنموا الوحدة ، واتخذوا لنفوسهم زوايا يجتمعون فيها تارة وينفردون أخرى أسوة بأهل الصفة ، وكان الصوف لباسهم حتى اشتهروا به، فتسموا به فالاسم سمتهم ، والعلم بالله صفتهم ، والعبادة حليتهم ، والتقوى شعارهم .

  إذاً التصوف ظهر في القرني الثاني الهجري كثورة روحية أخلاقية  تجديدية, هدفها استعادة الأمة لهويتها الروحية والأخلاقية, التي كانت عليها في العهد النبوي وفي العهد الذي يليه في زمن الخلافة الراشدة..

وقد كانت اليمن أحد البلدان التي امتد إليها - التصوف ' حيث ظهرت جماعة من الزهاد منهم

طاؤوس بن كيسان والأسود بن يزيد النخعي والحكم بن أبان العدني و محمد بن بسطام الصنعاني في القرن الثاني الهجري ومن قبلهم سيدهم وإمامهم أويس بن عامر القرني...

ثم توسع مفهوم التصوف في القرن الثالث الهجري وصار له بعض المصطلحات الخاصة به

ولما جاء القرن الرابع كان للتصوف قوة في الظهور ، وبدأ ينشر من معارفه الزهور حتى جاء القرن الخامس والسادس والسابع فظهر التصوف بكماله، وفاض نواله، واتسع انتشاره، وتغنت أطياره ، وتُرجمت أسراره ، وظهرت مدارسه الكريمة ، وطرقه الفخيمة ، وبرز أقطابه العظام كمثل الإمام (محيي الدين بن عربي)، والإمام (أحمد بن علوان) والسيد (أحمد البدوي) والشيخ الكبير (أحمد الرفاعي)، والإمام (علي بن عبدالجبار الشاذلي) والغوث (عبدالقادر الجيلاني) والقطب (عبدالحق بن سبعين) وغيرهم من أقطاب الصوفية .

وبهذا أصبح التصوف بالشكل الجماعي بعد أن كان بالشكل الفردي.. متمثلاً بالطرق الصوفية -(المدارس الصوفية)- فكانت -اليمن - أيضاً سباقة إلى احتضانها, فظهرت فيها العديد من الطرق الصوفية, حيث دخلت الطريقة القادرية  في عام (561هـ) عن طريق أبي الحسن علي بن عبدالرحمن الحداد, الذي  التقى بالشيخ الجيلاني في مكة, ولبس منه خرقة التصوف, وأخذ عنه العهد.

ثم دخلت بعدها الطريقة الشعيبية المغربية في أوئل القرن السابع الهجري ، أدخلها الشيخ عبدالله المغربي وكان روادها في اليمن هم : الفقيه المقدم محمد بن علي والشيخ سعيد العمودي في حضرموت. والشيخ جوهرالعدني في عدن ، والشيخ محمد بن مهنا القرشي في تهامة.

ودخلت الطريقة الرفاعية في النصف الأول من القرن السابع الهجري على يد العارف بالله الشيخ عمر بن عبدالرحمن بن حسان القدسي.

ودخلت الطريقة الشاذلية  في بداية القرن التاسع الهجري, على يد الولي الصالح الشيخ شمس الدين علي بن عمر القرشي الشاذلي .

وهذه المدارس أو الطرق التي ذكرناها تعد من أقدم الطرق وكلها مستوردة.

وأما الطريقة النقشبندية والتي هي فرع من الطريقة القادرية فقد تعددت الروايات في شأن وصولها  إلى اليمن ففي رواية أن أحد أتباع الطريقة النقشبندية لم يعرف أسمه جيئ به  إلى اليمن“ فأخذ عنه هذه الطريقة الشيخ أحمد بن محمد بن عجيل المتوفى سنة (1074هـ / 1664م) , فيما بعض الروايات تقول بأن وصولها اليمن كان عن طريق الشيخ تاح الدين بن زكريا الهندي والذي قدم اليمن من الهند والتقى بالشيخ عبدالباقي بن الزين المزجاجي الذي أخذ الطريقة عنه  .

وإلى جانب تلكم الطرق الصوفية  الكبرى والتي نشأت في القرون الماضية, تنتشر  اليوم العديد من فروع تلكم الطرق الصوفية حديثة النشأة أو الوفود  كالطريقة النقشبندية التي ذكرناها آنفا  والطريقة العلاوية الشاذلية والتي وصلت اليمن في عشرينيات القرن الماضي عن طريق الشيخ سعيد سيف الأشعري, والطريقة الخليلية الأحمدية والتي كان وصولها اليمن في تسعينيات القرن الماضي عن طريق الدكتور المصري  عبده صقر والذي كان من المدرسين بجامعة صنعاء.

وكما  وفدت إلى اليمن طرق صوفية كانت اليمن أيضاً التربة التي ولدت فيها عدد من الطرق الصوفية من أهمها : الطريقة العلوانية وتنسب للإمام القطب الشيخ العارف بالله أحمد بن علوان قدس الله سره, والذي ولد في منتصف القرن السادس الهجري في قرية ذي الجنان , عزلة جبل حبشي محافظة تعز, وله  مؤلفات هامة هي بغية المريدين, سواء المنتمين إلى طريقته أو الطرق الأخرى, والذين يرون فيه المرشد الأول والمرجعية الروحية  لأهل التصوف في اليمن, ولكافة الطرق على اختلاف مشاربها  .

ومن الطرق الصوفية التي نشأت في اليمن طريقة آل باعلوي والتي وضع بذرتها الأولى السيد الإمام المهاجر إلى الله تعالى أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق والمتوفي سنة  345هـ . ثم خلفه ولده الإمام عبيد الله(تـ383هـ) فتعهد تلك البذرة بالرعاية وسقاها بمائين.

الأول: ماء المنهج المهاجري (والده أحمد بن عيسى).

الثاني : ماء الطريقة المكية (أبوطالب المكي) صاحب قوت القلوب ومن بعده أخذ لواء التصوف ولده الإمام علوي بن عبيدالله بن أحمد المهاجر الذي جعل تلك البذرة شجرة وارفة  يستظل الناس تحتها ويسيرون على نهجها, ولهذه المدرسة امتداد وتأثير واسع حتى اليوم لا سيما في دول شرق أسيا والهند ووسط أفريقيا وجنوبها.

* معالم المدرسة الصوفية في اليمن:

1-إنها مدرسة روحية تهتم بإصلاح الفرد كنواة لإصلاح المجتمع, وذلك من خلال تزكية النفس التي هي العدو الأول للإنسان و مصدر الرعونات, وذلك من خلال وسائل خاصة تختلف وتتنوع من طريقة إلى أخرى تبعاً لتنوع النفوس البشرية, وذلك للرقي بها نحو النفس المطمئنة والتي تصبح فيها سباقةً للخير جامحةً إليه .

2- إن المدرسة الصوفية -وخلال القرون الماضية- أدت العديد من الأدوار الهامة وذلك على النحو التالي :

- في المجال التربوي فلا أحد ينكر جهودهم في الأخذ بأيدي الخلق نحو صفاء النفس بتزكيتها وتطهيرها بمناهجهم المتعددة في ذلك, والتي تتلاءم مع كافة النفوس البشرية  .

-  أما ما يخص المجال التعليمي فقد كانوا حملة العلم الشرعي وفقهاء الأمصار الذين يقصدهم طلبة العلم من شتى البلدان, ولعل مدرسة زبيد العلمية ومدرسة جبلة ومدرسة تريم واللواتي كنَّ أهم  منارات العلم في اليمن كانت ذوات توجهات صوفية, بسبب  انتماء علماء تلكم المدراس لهذا المشرب الروحي, حيث كانت كتب التصوف ضمن المنهج الذي يُدرس في تلكم المدراس .

- الدور الدعوي : وهو من الأدوار المعترف بريادتها   لأهل التصوف في الداخل والخارج, حيث كان لمدرسة حضرموت الفضل في دخول عدد من الدول والشعوب إلى الإسلام كدول شرق آسيا ووسط أفريقيا وذلك عبر منهجهم القائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة   .

- الدور الاجتماعي : وقد تمثل ذلك بما يسعى إليه التصوف من نشر ثقافة الألفة والتسامح بين الناس, والعمل على ردم الأحقاد والضغائن, إلى جانب مهام الإصلاح بين الأسر والقبائل المتنازعة .

- الدور الإنساني : وتمثل ذلك في دعواتهم للمحبة والتعايش, بأقوالهم وسلوكهم, حيث لا يزالون يؤدون هذا الدور إلى اليوم.


▪ هل هناك شواهد أو نماذج تأريخية لمراجع من الصوفية أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر في وجه أمراء وسلاطين الجور ؟

الجواب : الشواهد والنماذج كثيرة وإليك بعضاً منها :

منهم  الإمام الباهوت أحمد بن علوان - قدس الله سره -  والذي كان نعم النصير للفقراء والمساكين حيث كان يُجزل في نصحه للملوك والحكام, عله يوقظهم من غفلتهم, التي سببتها شهوة الحكم والسلطة, واليكم بعضاً مما احتوت عليه بعض رسائله   التي خاطب بها  الملك عمر بن رسول والتي  تحدث فيها عن معاناة الشعب.

ومنهم العارف بالله أحمد بن عباد - قدس الله سره  - والذي رفض  فساد الحكام الأتراك في اليمن  بالقول والنصيحة ثم  بحمل السلاح وتجنيد الشباب لقتال هؤلاء المفسدين .

وكذلك لا يمكن لنا أن ننسى الشيخ حسان بن سنان وولده أبوالغيث محمد حسان, واللَّذَين حملَا راية الحق مقارعين للظلم الذي تسبب فيه ولاة الدولة العثمانية على اليمن ومواقفهما في ذلك مشهورة.

ومنهم –أيضاً- الشيخ العلامة عبدالله الحكيمي رائد الطريقة العلاوية في اليمن فقد حارب المستعمر الإنجليزي بأفعاله وأقواله وبسبب مواقفه الثورية والمناهضة للمستعمر الإنجليزي تم سجنه.

ومنهم -أيضاً- العلامة علي عبدالقادر الصبري الذي قارع المستعمرين وفضح الوهابيين  بخطبه المنبرية وحلقاته الإذاعية.

ومنهم قطب الصوفية في عصره السيد إسماعيل إسحاق -قدس الله سره- فقد كان من كبار المجاهدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وهو أول من شكل خلية قتالية في ماوية لتحرير الجنوب من الإحتلال البريطاني ولنقل الأسلحة من الشمال إلى الثوار في ردفان وشمسان.

وقصائده أغلبها ثورية منها  قصيدته " الحماس الثوري " نقتطف منها هذه الأبيات :

كلنا اليوم ثورة واشتعالُ         وحمـــــاس وكلنا أبطال ُ
 

نحن أبناء حمير ومعين       لم يرننا يوم النزال النزالُ
 

إن ماذكرناه نموذج فقط  لكبار الصوفية في اليمن الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وقارعوا الظالمين والمفسدين وأما خارج اليمن فسيأتي ذكر بعضهم عند جوابنا للأسئلة اللاحقة.


▪ كيف تفسرون حالة الاحتضان الأميري أو السلطوي لبعض الصوفية ومراجعها في الإمارات والسعودية ؟

الجواب : مايقوم به بعض امراء الخليج من احتضان لبعض الإخوة من الشافعية الصوفية هو استهداف ممنهج لهم ولمنهجهم الوسطي وخطوة خطيرة لإقحام طوائفهم في سياسات تخدم الأمريكان في المنطقة، ونحن ما نزال نحسن الظن بإخوتنا الشافعية حيث يتم استغفالهم واستغلال حاجتهم من قبل العدو الإماراتي حيث بدأ في الفترة السابقة كداعم رسمي لهم وأظهر حرصه عليهم وحبه لهم ،  ولقد حان الوقت ليدفع الجميع ثمن هذه العلاقة مع عملاء اليهود إماراتيين وغيرهم، واحتلال الجنوب أحد هذه الشواهد يدل على سوء نية الإماراتي في دعمه للصوفية الشافعية والأيام تكشف الكثير وهناك تهاون وتساهل من بعض إخوتنا الصوفية بالجنوب وغض للطرف عن ما يقوم به الاحتلال الإماراتي ونحن ندعوهم إلى القيام بمسؤلياتهم الدينية والتأريخية وأن يفتحوا أعينهم ليروا ما يفعله الإحتلال من مصادرة للأرض وهتك للأعراض وقتل للأبرياء واغتصاب للرجال والنساء وانتهاك سيادة اليمن خدمة للأمريكان والصهاينة فإن التاريخ يسجل ويكتب ولن يسامح كل من وقف مع الاحتلال أو تغاضى عن جرائمه بدعوى الفتنة أو الحياد وليس في دين الله حياد.

ولاشك أن النظام الإماراتي يقوم بدور شبيه للنظام القطري حين استخدم الأخير الإخوان المسلمين وجعلهم سلباً  لتدمير الأمة الإسلامية فجعل من د يوسف القرضاوي داعية حرب يناهض محور المقاومة ويدعوا إلى الاقتتال في بلاد المسلمين فيما بينهم خدمة لامريكا واسرائيل فدمرت بفتاواه ليبيا وسوريا وغيرها بينما ظلت اسرائيل في منأى عن جميع ذلك، وأرجوا أن لا يتكرر المشهد مجدداً من خلال بعض العلماء الصوفية والشافعية الذين يحرص النظام الاماراتي على اقحامهم في مشروعه الأمريكي أو تحييدهم في أقل أحواله.


▪ هناك بعض الطُرق الصوفية المثيرة للريب بإغراقها في بعض الطقوس الأقرب للبدعة والشعوذة وإسقاط التكاليف فما نصيحتكم لبعض الصوفية الذين لهم طرق غريبة ومريبة في التصوف ؟

الجواب : أنصحهم بالرجوع إلى التصوف الحق الذي هو ملازمة الكتاب والسنة الصحيحة وترك الأهواء والبدع وتعظيم الشريعة والتمسك بها وبآدابها إذ لا تصح الطريقة إذا كانت مخالفة للشريعة.

وكل من ادعى التصوف وسلوكه مخالف للنهج المحمدي القويم فهو كاذب في سلوكه ، مدعي في تصوفه.

ولهذا قال شيخ الطائفة الصوفية الإمام الجنيد البغدادي - قدس الله سره-: " مذهبنا - أي تصوفنا - مقيد بأصول الكتاب والسنة "

وقال -أيضاً -:" الطُرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول -عليه وآله الصلاة والسلام -واتبع سنته ولزم طريقته ..."

وقال أحد أئمة الصوفية العارف البسطامي :" لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة " ..

إن السادة الصوفية قد نبهوا إلى خطر هؤلاء المدعين الذين أسقطوا عن أنفسهم التكاليف وأباحوا المخالفات وأظهروا البدع والمحرمات مدعين أن صلاح القلب وتصفية الباطن هو المطلوب وأما الفرائض وأعمال الظاهر فليست مطلوبة فهؤلاء ليس لهم من التصوف إلا اسمه ولا من السلوك إلا رسمه وهم بعيدون عن التصوف كل البعد بل قد لعب بهم الشيطان فكانت نهايتهم الخسران.


▪ ما صحة الأقاويل والدعاوى التي يتبناها التيار السلفي والوهابي حول التصوف والصوفية  كإطلاقة وصف القبورية على شريحة واسعة من الشافعية والزيدية وكذلك دعواهم بوجود اختلاط بين الرجال والنساء عند إحياء الموالد النبوية وادعاؤهم أن هناك من يستغيث بغير الله وينادي غير الله لكشف ضره؟

الجواب : إن هذه دعاوى كاذبة أراد التيار الوهابي تكفير مخالفيه من خلالها فالوهابيون ينظرون إلى كل من يزور قبور الصالحين وقباب الأولياء العارفين بأنه يعبدها من دون الله تعالى ويصدرون حكمهم عليه بالشرك ومن ثم يجوزون قتله وهذا ما قام عليه منهجهم منذ بداية التأسيس على يد إمامهم محمد بن عبدالوهاب الذي كانت له السلطة التشريعية بينما محمد بن سعود له السلطة التنفيذية بحسب الاتفاق المشؤوم الذي حدث بينهما عام 1159هجرية في الدرعية (وهي منطقة في الرياض حالياً) ومن بعد ذلك الاتفاق قتلوا المسلمين وسبوا نساءهم وقتلوا رجالهم وذبحوا أطفالهم بحجة أنهم قبوريون وما حربهم اليوم على اليمن وقتلهم للشعب إلا لأنهم يكفرون هذا الشعب المؤمن ولأسباب أخرى معروفة ...

وهكذا تجد الوهابيين يكذبون ويلصقون التهم والأكاذيب على مخالفيهم حتى يتسنى لهم رميهم بالتكفير ...

فلا يوجد اختلاط الرجال بالنساء عند إحياء الموالد النبوية البتة ولا يوجد أحد يستغيث بغير الله معتقداً بأنه ينفع ويضر من دون الله.

هؤلاء الوهابية فتنهم في ثلاث :

-  تكفيرهم لعباد الله.

-  تصويرهم لذات الله.

- تحقيرهم من شأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

وهاهم اليوم قد استغاثوا بترامب وطافوا حوله وأدخلوا المراقص لبلادهم ليختلط الرجال بالنساء

وصدق إمام الصوفية في عصره سيدي إسماعيل إسحاق عندما قال فيهم :

يا سبتُ حدث عن يهود الجمعةِ          الناشرين فسادهم في الأمةِ
 

إلى آخرها.


▪ ما هي العوامل - من وجهة نظركم - التي ساعدت الوهابية على التوسع على حساب الشافعية والزيدية وما هي العوامل التي يمكن أن تسهم في الحد من هذا التوسع ؟

الجواب : منذ عقود من الزمن والأنظمة السابقة التي حكمت بلادنا كانت تحت الوصاية السعودية وأداة من أدواتها وهذا مما جعل الأنظمة السابقة تفتح جميع أبوابها لهذا الفكر المستورد الخبيث وسهلت له كل وسائل التوسع والانتشار فبنى الوهابيون في اليمن المعاهد الدينية والمساجد والمكتبات والتي ملأوها بكتب الإرهاب والتكفير إضافة إلى الجمعيات واستقطاب الشباب وتسفيرهم إلى السعودية ليدرسوا العلوم الوهابية هناك ثم يعودون شيوخاً وخطباء يدرسون في المعاهد ويخطبون في المساجد ولم يكتفوا بهذا بل وضعوا السم الزعاف في المناهج الدراسية والجامعية.

وبدأ المذهب الشافعي يتقلص شيئاً فشيئاً حتى أصبح محصوراً عند كبار السن من العلماء فقط وأما المذهب الزيدي فقد حُورب أشد المحاربة وكاد أن يقضى عليه لولا تحرك بعض مراجع الزيدية مثل الإمامين مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي فقد بذلا الجهود الكبيرة في حفظ التراث الزيدي والحفاظ على البقية الباقية من الشباب الذين لم ينخرطوا مع التيار الوهابي ومعلوم أن الدولة آنذاك سمحت للوهابية أن ينشؤوا مراكز لنشر الفكر الوهابي في عقر ديار الزيدية مثل مركز دماج بصعدة ومركز محمد الإمام في معبر ولولا أن الله تعالى أنقذ الصوفية والشافعية والزيدية بظهور أنصار الله لكان التيار الوهابي القاعدي  الداعشي قد أنهى الصوفية والشافعية والزيدية ليس مذاهبهم وفكرهم فحسب بل وحتى المنتمين إليهم.

والحمدلله بعد قيام ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر سقط النظام العميل وسقطت قلاعه وأصنامه وأزلامه وبدأ التيار الوهابي بالإنهيار إلا أن آثاره وأفكاره مازالت معشعشة في عقول الكثير من الناس..

 وممكن أن نجمل بعض العوامل التي ساعدت الوهابية على التوسع بالآتي :

1-إنشاء جهاز تعليمي ضمن أجهزة الدولة التعليمة في المحافظات الشمالية أُطلق عليها المعاهد العلمية, والتي اعتمدت في مناهجها على الفكر الوهابي الممزوج بالفكر الإخواني.

2-  التوسع في افتتاح تلكم المعاهد خاصة في المناطق ذات الكثافة الصوفية, وتقديم الخدمات لهذا الجهاز التعليمي من الأكل والشرب المجاني كي تجتذب شباب تلكم المناطق , ثم تسهيل الحصول على الوظيفة العامة, والتي مكنتهم  من السيطرة على الجهاز التعليمي العام في المحافظات الشمالية ككل, ومن ثم نشر أفكارهم الوهابية المعادية للتصوف .

3-الدعم المالي والإعلامي للفكر الوهابي اللامحدود من مملكة الشر الوهابية وأخواتها, والذي تم توظيفه في إنشاء الجمعيات الخيرية  التي استغلت حاجة الناس وفقرهم لتجنيدهم خدماً للفكر الوهابي والإخواني , وكذلك بناء مساجد الضرار في كافة أرجاء تلكم المدن لتنطلق منها حملات التبديع والتشريك والتكفير وصولاً إلى دعوات التفجير والتدمير .

4-رعاية النظام السياسي الحاكم للمحافظات الشمالية  لهذا الفكر المتطرف نتيجة الشراكة التي جمعت هذا النظام بهذا الفكر التكفيري وجماعاته المتعددة, وذلك بهدف  مواجهة المد الاشتراكي القادم من المحافظات الجنوبية, ليتربى هذا الفكر في كنف الدولة وتحت رعايتها متحصلاً على جميع  امتيازاتها .

5-الاستحواذ على منابر المساجد من قبل المنتمين للفكر الوهابي, وإزاحة كل من لا ينتمي لفكرهم المتطرف .

6-إنشاء الجامعات ذات الطابع الوهابي  تحت عدة مسميات, سواء ذات التسميات الدينية كجامعة الإيمان وجامعة القران الكريم, أو الجامعات  الخاصة التي يتم استغلالها بشكل كبير في تجنيد الشباب لخدمة هذا الفكر .

7-استغلال مدارس تحفيظ القران الكريم في استقطاب الشباب للفكر الوهابي المتطرف, وتحويلها من مدارس تعليم كتاب الله إلى شبكات يُصطاد بها النشء .

8- تأميم أوقاف الصوفية من خلال تشريعات قانونية سلبتهم حقهم الذي كان يُستخدم في إنشاء الأربطة والزوايا  الصوفية والعلمية, ورعاية الفعاليات الصوفية .

9- الحروب الشعواء على الصوفية والزيدية وأهلها ابتداءً بالمناهج المدرسية والجامعية التي تم هندستها من قبل لوبي الفكر الوهابي المسيطر على الدولة, ثم بالكتب الصفراء التي أُغرقت البلاد بها, إضافة إلى المنابر وأجهزة الإعلام التي  كانت لهيباً مستعراً على الصوفية الشافعية والزيدية  وأهلها .

10-استهداف الشخصيات الصوفية والزيدية الناشطة في المجال البحثي والدعوي والعلمي بكافة الوسائل القذرة, التي تهدف إلى تشويه صورتهم في المجتمع, بل وصل الأمر إلى الاعتداء على بعضهم واغتيال البعض منهم.

وأما العوامل التي يمكن أن تحد من ذلك الانتشار هي:

1- تعديل المناهج التعليمية المحشوة بالأفكار الوهابية.

2- إعادة الأوقاف الصوفية المؤممة من قبل الدولة.

3 - استيعاب خريجي الأربطة والجامعات الصوفية في أجهزة الدولة خاصة التربية - الأوقاف - العدل.


▪ ما هو موقف المدرسة (الشافعية الصوفية) من الإمبريالية الأمريكية والأنظمة العربية المحسوبة على الإسلام والتي تماهت مع المشاريع والمخططات الأمريكية ورحبت بقواعدها العسكرية في الوطن العربي ؟

 الجواب : إن موقفها هو امتداد لمواقفهم السابقة  الرافضة للظلم والاستبداد, وسجلهم المشرق في قيادة الأمة في معركة الدفاع عن الوطن و مقارعة المستعمرين ماثل للعيان لكل ذي بصر وبصيرة , حيث  كان رجال التصوف هم حملة راية الجهاد  في شتى البلدان, كقائد الثورة العرابية أحمد عرابي في مصر وسيدي الشيخ أبو العزايم , وسيدي عمر المختار السنوسي في ليبيا,  وسيدي الأمير عبدالقادر الجزائري في الجزائر, وسيدي عزالدين القسام في فلسطين,  وسيدي محمد المهدي في السودان, وسيدي محمد عبدالله  حسن قائد ثورة الدراويش في الصومال, وسيدي محمد بدر الدين الحسني مفجر ثورة 1925م في سوريا, وسيدي ماء العينين في موريتانيا, والسيد الشيخ عبد القادر الكسنزان  في العراق وغيرهم الكثير .

فالإمبريالية الأمريكية هي امتداد للمشروع الاستعماري الرامي لهدم  الأوطان وتدمير البلدان واستعباد الشعوب, وهي أخطر صور الاستعمار, ولهذا فموقف الصوفية منهم هو نفس الموقف الذي كان مع من سبقهم من المستعمرين الذين أذاقهم الصوفية الويلات خلال معارك تحرير البلدان من المستعمر بشتى مسمياته .


▪ ما تقييمكم للتيارات أو الحركات - المسماة جهادية - في أفغانستان والصومال وسوريا وليبيا واليمن و...إلخ هل تشكل خطراً وتهديداً حقيقياً  لأمريكا وإسرائيل ؟ وهل يتوافق تحركها مع أصول الإسلام وروح الشريعة وينسجم مع الأخلاق المحمدية ؟

الجواب: فيما يخص الحركات الجهادية فهي جماعات أنشأتها المخابرات الغربية من أجل شق صف الأمة  وتدميرها من الداخل والهدف من ذلك إلهاء المسلمين عن الجهاد الحقيقي وهو جهاد المغتصب لأرضنا في فلسطين, من خلال إشعال الحروب الداخلية وإثارة النزاعات الطائفية  التي جعلت المسلم يقتل أخاه ويدمر وطنه, ويترك المغتصب الصهيوني يعيش في راحة وأمن, إلى جانب الهدف الأكبر وهو تشويه صورة الإسلام من خلال تلكم التصرفات المشينة التي ترتكبها تلكم الجماعات والبعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي , وذلك من أجل إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين ومن ثم يكون ذلك ذريعة لهم لغزوهم واحتلال أراضيهم.


▪ ما توضيحكم لمن يعتبركم أحد المتنقلين أو المتحولين من الشافعية إلى الاثنى عشرية ؟ وأين تلتقون أو تتباينون مع الاثنى عشرية؟

الجواب : من يستقرئ التأريخ سيجد أن كثيراً من الأئمة والعلماء والباحثين أُتهموا بالتشيع ونبزوا بالرفض بسبب حبهم لآل بيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبسبب إنصافهم وعدم تعصبهم لمن يخالفونهم في المذهب والفكر ، وأنت تعلم كيف تم التنكيل بمحبي آل البيت وما لاقوه من قتل وسجن وتعذيب وتشريد...

كان لا أحد يتجرأ أن يذكر علي بن أبي طالب وهناك من العلماء من تعرض للقتل بسبب حبه لعلي وبغضه لخصومه وما حدث للإمام النسائي لا يجهله أي باحث ..

هذا الإمام الشافعي أتهموه بالرفض ومعلوم أن الرفض تهمة كبيرة أكبر من التشيع بل وتسقط عدالة الراوي عندهم إذا كان الراوي رافضياً ولهذا كان الإمام الشافعي يقول عندما أتهموه بالرفض:

إن كان رفضاً حب آل محمد
 

 

فليشهد الثقلان أني رافضي
 

وهكذا غيره من العلماء اتهموا بالتشيع مثل اليعقوبي والطبري وغيرهما وكذلك هناك الكثير من الباحثين المعاصرين أُتهموا بالتشيع وقالوا عنهم بأنهم اثنا عشرية بسبب آرائهم وحبهم لآل  البيت.

وللأسف نجد الكثير من طلاب العلم أفقهم ضيقة ولا يرون أحداً على صواب إلا من كان على مذهبهم ومنهجهم ، وإذا ماوجدوا أحداً يحب آل البيت ويثني عليهم قالوا هذا اثنا عشري وكأن حب آل البيت موقوف على الاثنى عشرية مع أن حب آل البيت فرض على الناس وذلك في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ﴾.

هذا مع أن المذهب الإثنى عشري يُعد من المذاهب الإسلامية المعترف بها وهم يتفقون مع الصوفية في الجانب العرفاني والروحاني وفي قضايا كثيرة مثل التوسل بالأولياء والأئمة وغيرها وفي إقامة الحوليات والمناسبات الدينية ويتباينون معهم ومع غيرهم من المذاهب في كثير من المسائل الفرعية.


▪ كونكم أحد أبناء وعلماء المدرسة الشافعية  على مذهب  أهل السنة كيف تردون على علماء العاصفة الذين يدعون أن من أهداف التحالف العربي إعادة اليمن للحضن العربي والهوية السنية ومحاربة التوسع الشيعي ؟!

الجواب : إن إدعاءهم هذا قد كذبه الواقع فالتحالف من بداية عدوانه استهدف تأريخ ومقدسات الصوفية وهم صفوة أهل السنة سواء بغاراته أو عبر مرتزقته ودواعشه ، فهناك العشرات من القباب الأثرية والتي تضم مراقد أقطاب الصوفية من أولياء الله تم تفجيرها في عمل ممنهج مدروس بل ووصل بهم الحد إلى أن أخرجوا رفات الأموات من الصوفية ، ناهيك عن استهداف طيران العدو لبعض منازل الصوفية وزواياهم .

وما نراه في عدن وتعز لهو خير شاهد فهناك الكثير من رموز الصوفية والشافعية في عدن تم اغتيالهم وكذلك في تعز تم اقتحام بعض الزوايا والتنكيل بالقائمين عليها فهل هذا هو الحفاظ على الهوية السنية كما يدعيه تحالف العدوان ؟!

وإذا كانوا يحاربون التوسع الشيعي كما يزعمون ؟ فكيف ذلك وكثير من المناطق الشرقية في السعودية كلها شيعية وكذلك البحرين ، وحتى في الإمارات هناك نسبة كبيرة من سكانهم هم إيرانيون شيعة!!

إن ما يدعونه من محاربة التوسع الشيعي في اليمن هو ذريعة ليتسنى لهم احتلال اليمن وذلك طمعاً في خيراته وثرواته..

ولا أعتقد أن أبناء الشعب اليمني يصدقون أكاذيب التحالف بل حتى عملاؤهم يعلمون أنهم كاذبون..


▪ ما هو موقف علماء الشافعية والصوفية من العدوان على اليمن ؟

الجواب : يجب أن نعلم أن التصوف منهج سلوكي وليس مذهباً فقهياً فأنت قد تجد شافعياً صوفياً وحنفياً صوفياً وزيدياً صوفياً وجعفرياً صوفياً ....وهكذا فعلماء الصوفية في اليمن أغلبهم شافعية..

وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام من حيث موقفهم من العدوان على اليمن:

القسم الأول : وهم أصحاب التصوف الجهادي وهؤلاء ضد العدوان ولهم نشاط بارز في الميدان وتحركهم معروف وكل يوم يزدادون توسعاً بين أوساط الصوفية.

القسم الثاني: وهم ضد العدوان ويصرحون لخواصهم بذلك لكنهم لا يريدون أن يظهروا ولا أن يصرحوا عبر وسائل الإعلام بسبب خوفهم إما على مصالحهم وإما خوفهم من أن يلحق بهم ضرر سواء بأنفسهم أو بممتلكاتهم فالبعض لهم ممتلكات في المناطق التي يسيطر عليها الدواعش.

القسم الثالث : وهم المحايدون ويعتبرون هذه الحرب فتنة والأفضل السكوت ويتبعون منهج السلامة ويزعمون أنهم يقتدون بالإمام الحسن وبالفقيه المقدم الذي كسر السيف، حسب زعمهم.


▪ لماذا طلب بعض المحسوبين على الشافعية الصوفية من أنصار الله وقيادتهم التأسي بالإمام الحسن معللين هذا الطلب بأن الإمام الحسن قد تنازل لإمام الفئة الباغية ، وكيف تنظرون إلى الموقف التأريخي للإمام الحسن مع معاوية ؟

الجواب : أظن بأن طلبهم ذلك هو هروب من تحمل المسؤولية وكذلك كي يتم عذرهم في حيادهم وكأنهم يريدون أن يقولوا لأنصار الله إذا كنتم لم تتبعوا منهج السلامة المتمثل في الإمام الحسن وأبيتم إلا أن تتبعوا المواجهة وهو منهج الإمام الحسين ومن بعده الإمام زيد وولده الإمام يحيى فدعونا نتبع منهج السلامة وكلانا على حق..

هذا مع أن طلبهم - هذا - غفلة كبيرة فلا علاقة البتة بتنازل الإمام الحسن (ع) بما طلبوه من أنصار الله ؟

وذلك أن قبول الإمام الحسن للصلح وتركه للأمر كان ضرورة فرضتها معطيات الظروف، بينما أنصارالله والجيش والشعب اليمني يدافعون عن أرضهم وبلادهم وكرامتهم فلا مجال لهم غير الدفاع..

فهل يريدون من أنصار الله أن يتنازلوا عن أرضهم ليحتلها الغزاة ويعبثوا بخيرات البلاد؟!

هل يريدون من أنصار الله أن يظلوا مكتوفي الأيدي ساكتين صامتين إزاء مايحدث على بلادهم من خراب ودمار ومجازر شنيعة وجرائم مريعة وإهلاك للحرث والنسل ؟!

وهل هناك مبادرات للصلح من قبل العدوان حتى نقول بأن أنصار الله رفضوا الصلح ولم يتأسوا بالإمام الحسن ؟!

إن مما يثير العجب هو قياسهم قضية تنازل الإمام الحسن لمعاوية بما يحدث اليوم في بلادنا..

إن بلادنا تتعرض لأشنع عدوان عرفه التأريخ وتتعرض لمجازر يومية من قبل العدوان الأرعن ، وتتعرض لغزو واحتلال.

إن طلبهم -السابق - بالتأسي بتنازل الإمام الحسن هو في الحقيقة إساءة إلى الإمام الحسن (ع) فهل الإمام الحسن ساوم على كرامته وحريته  ؟!

أظنهم فهموا هذا الفهم القاصر وإلا لماذا طلبوا من أنصار الله التأسي بالإمام الحسن ؟

هذا مع أن الإمام الحسن لم يقبل بالذل ولم يساوم على كرامته وحريته ..

إن ماحدث بين الإمام الحسن وبين معاوية هو عقد صلح مثل عقد صلح الحديبية الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين قريش..مع اضطرار الإمام الحسن لهذا العقد.

والعجيب أن هؤلاء المحسوبين على الشافعية والصوفية يرون بأن صلح الإمام الحسن كان مدعوماً نبوياً وإذا كان كذلك فلماذا الإمام الحسن جيش الجيش وقام بتعبئته وأعدَّ عدته وخرج به حتى بلغ المدائن لمواجهة وقتال طغام الشام ؟!

بهذا تعلم بطلان ما ادعوه فهو - عليه السلام - كان يرى المواجهة أمراً ضرورياً ونتيجة لمعطيات ظروف الواقع مع ما لمسه من تثاقل جيشه وعدم صدقهم معه ولأمور أخرى – سيأتي ذكرها - رأى الإمام -ع - أن قبوله بالصلح أوجب وأسلم.

ولو كان - عليه السلام - يرى أن المواجهة أوجب وأسلم لما  توقف ولما قبل بالصلح ؟ هذا مع أني لا أقول بأن الإمام الحسن تنازل لمعاوية بل أقول ترك وسلم الأمر ، فالترك والتسليم لا يعني التنازل بل هو من باب التسليم للأمر الواقع وقد كان مضطراً لذلك ولا حيلة للمغلوب على أمره ..

إذاً ما قام به الإمام الحسن (ع) من ذلك الصلح كان مصيباً وتصرفه ذلك هو خلاصة لفهم واقعي عن وضع معقد جداً وحكمة عظيمة للحفاظ على الدولة الإسلامية وإليك توضيح ذلك :

في آواخر شهور حكم الإمام علي -عليه السلام - كانت حروب طاحنة قد جرت بينه - وهو ولي الأمر ومفترض عليهم طاعته - وبين الخارجين عليه من الناكثين والقاسطين والمارقين وهي معركة الجمل وصفين وقتال الخوارج في النهروان وقد أخذت منه -عليه السلام –  وقتاً طويلاً وخصوصاً معركة النهروان وبعد رجوعه - عليه السلام - من النهروان كان هدفه الأكبر هو ضرب معاوية في الشام التي كانت قاعدة الفساد ومصدر الفتن لكن معاوية أخذ يشن الغارات لفتح ثغرات في المناطق التي تحت سيطرة حكم الإمام علي -عليه السلام - كي يشتت جيش الإمام ويضعفه ناهيك عن ماقام به من شراء الولاءات والذمم ونشر الفرقة والوشايات .

واستشهد الإمام علي - عليه السلام - بمؤامرة اغتيال وكان المدبر لها معاوية بن أبي سفيان ، وفي هذه الفترة المليئة بالفتن والتي هزت الإسلام والمسلمين بويع الإمام الحسن - عليه السلام - وأراد الإمام الحسن أن يستنهض همم الناس لاستئصال قاعدة الفساد ومصدر الفتن ليحقق الهدف الأسمى الذي كان يسعى لتحقيقه والده - عليه السلام - لكن النفوس كانت تواقة إلى الدعة والاستكانة وكانت حججهم أن الحروب أرهقتهم و استنفدت قواهم ، وحتى خروجهم معه لقتال الطغام كان عن تثاقل وعدم تسليم مطلق له - عليه السلام - وقد أدرك ذلك الإمام الحسن من خلال جوابهم له عندما خيرهم بالقتال أو السلم؟ فقد اختاروا السلم..

أضف إلى ذلك كان أعداء الإسلام يراقبون عن كثب ما يحدث من حروب وفتن قام بتأجيجها المنافقون من الداخل ، وكانوا يتحينون الفرصة لاستغلال هذا الضعف والوهن الذي أصاب الأمة للإنقضاض عليها فلهذا وذاك كان الإمام الحسن (ع) بين خيارين لا ثالث لهما إما أن يخوض الحروب مع معاوية وبالتالي تكون النتائج لغير صالح الإسلام والمسلمين ولأن الإمكانات لم تكن مناسبة وليست مهيئة له، وإما أن يقبل الصلح بشروط يضعها وبالتالي يحفظ الوجود الإسلامي ويمارس عملية الإصلاح خارج أداة الدولة ويكشف حقيقة معاوية للناس ويهيئ لثورة الحسين القادمة وهذا ما به فعلاً..

لهذا قبل الإمام الحسن - ع - بالصلح ووضع شروطه والعجيب أن أمهات الكتب والمصادر التأريخية لم تنص نصاً صريحاً لبنود الصلح (والتي تعتبر وثيقة مهمة للتأريخ والإنسانية على ما تحتويها) ولم يصل إلينا من بنود الصلح إلا النزر اليسير وباعتراف رواتها بأنها جزء من كل، ولقد تم لملمتها -أي بنود الصلح -بعد أن كانت مفرقة في المصادر وحتى إذا وجُد أن مصدراً أتى بمعاهدة الصلح كاملة لكنك ستجد الكثير من موادها مبتورة أو منقوضة بروايات أخرى قوية في سندها وكثيرة في عددها وبصرف النظر عن هذا وذاك إذا ما نظرت إلى هذه البنود التي ذكرتها مصادر التأريخ سوف تعلم الأسباب التي دعت الإمام الحسن - ع - إلى الصلح وهو الموقف الصحيح والتصرف الحكيم وفق معطيات الظرف فقد تعاطى مع موقفه بفقه الواقع....

ويتعللون - أيضاً - بالحياد بقضية كسر السيف للفقيه المقدم حتى قال أحدهم " إن كسرنا للسيف بالإختيار كان موقفاً واعياً لما قد سبقه من قطع رؤوس آبائنا دون إختيار "

نقول لهم إن الفقيه المقدم لم يكسر السيف بل وضع السيف اضطراراً لا اختياراً وذلك لظروف تلك المرحلة ، فلقد بلغ الحاكم آنذاك وشاية عن العلويين فحواها : إن العلويين يريدون أو ينوون إقامة دولة لهم في تريم ..

وبسبب هذه الوشاية أراد الفقيه المقدم أن يبطل هذه الوشاية لكي تسكن نفس الحاكم فوضع السيف أمام أعيان حضرموت في حفل لهم .

والسبب الذي دعا الفقيه المقدم إلى أن يضع سيفه هو أنه رأى نسل بني عمه من آل بصرى وآل جديد قد انقرض أو يكاد ينقرض ولم يبقَ إلا أولاده وعمه علوي وأولاده فخاف عليهم من التنكيل والتصفية ولكي يحافظ على ماتبقى من هذا النسل الطاهر وضع سيفه..

ولقد روى قضية وضع السيف وسببها الثقاة من آل باعلوي وتجدها مفصلة في رسالة مخطوطة للعلامة سقاف الكاف - رحمه الله - وهي جواب لسؤال سقاف الكاف وصيغة السؤال : ماهي الأسباب التي جعلت الفقيه المقدم يضع السيف ؟

وكان المجيب لهذا السؤال هو الباحث المؤرخ عبدالله بن حسن بلفقيه فقد روى - في هذه الرسالة - كلام محمد بن عبدالرحمن بن شهاب الدين، وما ذكرناه آنفاً هو خلاصة تلك الرسالة  ..

بهذا تعلم أن الفقيه المقدم لم يكسر السيف اختياراً بل وضعه اضطراراً وذلك لضرورة فرضتها معطيات الظروف..

ولو كان الفقيه المقدم في عصرنا لما سكت وحايد بل لشهر سيفه ودافع عن أرضه وعرضه ووطنه...

ثم أي دليل نريده بعد كتاب الله تعالى الذي أمرنا بالجهاد والدفاع عن المستضعفين قال تعالى : ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾.

وقال تعالى : ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾.

ثم أليس في كتب السنة بأن علماء الأمة قاطبة أجمعوا على أن الجهاد يكون فرض عين على كل مكلف إذا ماداهم العدو البلد ؟!

أليس وجوباً علينا أن ندافع عن بلادنا وأرضنا وأعراضنا ؟!

فهل منهج السلامة - الذي يريدونه منا -  أن نقبل بإحتلال بلادنا وهتك أعراضنا وقتل نساءنا وأطفالنا ؟!

إن منهج السلامة هو أن ندافع عن بلادنا ونحررها من الغزاة المستعمرين حتى تعم السلامة وطننا وبلادنا.


▪ هل يقبل الحياد أمام هذا العدوان وجرائمه المروعة ومجازره الوحشية ؟

الجواب : لا يقبل بل يعتبر خذلاناً للحق وتدعيماً للباطل وتنشيطاً عن الجهاد في سبيل الله سيما إذا كان أصحاب الحياد من أهل العلم.

فلا حياد بين الحق والباطل ولا بين الخير والشر ، فإما أن تكون مع الحق أو أن تكون مع الباطل..

ويعلمنا القرآن الكريم أن الوقوف على الحياد بين الحق والباطل والإمساك بمنتصف العصا في الصراع بينهم صفة المنافقين كما جاء في قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً...﴾.

وقوله تعالى :﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ﴾.

فالحياد في الصراع بين الحق والباطل أو بين الظالم والمظلوم يعتبر ضمن الوقوف مع الباطل لأنه يخذل الأخرين عن الوقوف مع الحق وتأييده..

كذلك المحايد أمام هذا العدوان قد يتعرض لسخط الله ولعنه لأنه يرى المنكر ولا ينكره والله تعالى ما لعن بني إسرائيل إلا لأنهم كانوا يرون المنكر ولا ينكرونه ولا ينهون عنه قال تعالى  :﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ  لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

 فالله تعالى ما أخبرنا عن بني إسرائيل إلا لكي لا نقع فيما وقعوا فيه فيحل علينا ما حل بهم من السخط واللعن الإلهي.

ومن الأدلة -أيضاً- على وجوب التصدي للعدوان وعدم المحايده قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ ولم يقل هم يسكتون ويحايدون بل لابد أن ينتصروا لأنفسهم ولشعبهم ولوطنهم..

والله إن مجزرة واحدة فقط من المجازر التي ارتكبها العدوان في حق شعبنا تجعل أي مسلم يتحرك وينشط ضد هذا العدوان ولو حتى بالكلمة فكيف لو كان هذا المسلم يمنياً ويرى هذه المجازر بأم عينيه، فكيف لا يصحى ضميره ويقوم بالواجب وبالمهمة التي أنيطت به بالجهاد في سبيل الله سواء بالفعل أو القول أو بما يقدر عليه لأن الجهاد وسيع بسعة ساحة الصراع..

وهناك أدلة كثيرة من القرآن الكريم وكذلك من السنة توجب على كل مكلف أن يتصدى للعدوان إن المحايدة والسكوت عن العدوان يعد تفريطاً وخزياً وعاراً ...  نكتفي بما ذكرناه.


▪ كيف غيبت القضية الفلسطينية من المنابر المسجدية والإعلامية ؟

الجواب : منذ نكبة 1948م ولعقود طويلة كانت القضية الفلسطينية من أهم القضايا العربية والإسلامية سياسياً وإعلامياً وكان الاهتمام بها كقضية محورية ومركزية تمثل الهم المشترك للعرب خاصة وللمسلمين عامة ولكن لأسباب دولية وإقليمية عربية ومحلية أدت إلى تراجعها وتغييبها وخروجها من دائرة الاهتمام التي عهدتها منذ العقود الطويلة السابقة.

وما يهمنا هنا هو تغيبها في الجانب الإعلامي كيف ولماذا ؟

إن ما يقوم به الاستكبار العالمي وأدواته في المنطقة من إثارة الصراعات والحروب وإشعال الفتن وتغذيته للإرهاب في كل بلد إسلامي وبالأخص في المنطقة العربية كل ذلك كي يحرف البوصلة عن المسلمين إلى قضايا أخرى وينسوا قضيتهم المركزية ...

أضف إلى ذلك أن بعض الدول العربية والتي دخلت تحت العباية الاستكبارية قد كشفت عن حقيقتها وأصبح تطبيعها مع العدو الإسرائلي أمراً علنياً مكشوفاً بل وحولت وسائل إعلامها إلى خصم للفلسطينين بينما دول الممانعة سعى الاستكبار مع أدواته في المنطقة إلى إشعال الحروب فيها كسوريا واليمن..

وكل هذا ساعد في تغييب القضية الفلسطينية من المنابر الإعلامية ناهيك عن المنابر المسجدية.


▪ ماهي العوامل التي أسهمت في تحصين الوعي وتغذية التلاقح الفقهي والفكري في اليمن بين الزيدية والشافعية حتى أصبح أنموذجاً فريداً في التعايش والتصالح والتسامح ؟

الجواب : للإجابة على هذا السؤال لابد من مقدمة صغيرة ثم نردفها بالجواب  إن اليمن كانت تحتضن أربعة مذاهب : المذهب الزيدي: وهو أول المذاهب دخولاً إلى اليمن والذي ساعد في ظهوره هو الإمام الهادي الذي وفد إلى اليمن في القرن الثالث الهجري واستقر في صعدة ، وكان انتشار المذهب الزيدي واستقراره في شمال اليمن (المناطق العليا) ثم يليه المذهب الحنفي وكانت المناطق السفلية وتهامة من شمال اليمن يسودها هذا المذهب، وقبله المذهب الإسماعيلي ويقطن أصحابه وأتباعه في جبال حراز وبعض المناطق الوسطى وقد واجهوا معارضات ومضايقات كثيرة عبر الزمن.

وأما المذهب الشافعي فقد ظهر في اليمن في بداية القرن الخامس الهجري ثم توسع مع دولة بني رسول وانتشر في أوساط الناس إنتشاراً واسعاً مما جعل الناس يستبدلونه عن المذهب الحنفي في المناطق السفلية من شمال اليمن وأما جنوبه لا سيما حضرموت فقد كان المذهب الإمامي هو أول من دخلها ، أدخله الإمام أحمد بن عيسى المهاجر في أوائل القرن الرابع وهو مذهب آبائه وأجدادهـ وفي نهاية القرن الرابع بدأ المذهب الشافعي بالظهور والتوسع حتى ساد حضرموت إلى يومنا هذا ، وهكذا أصبح المذهبان البارزان والأكثر إنتشاراً هما الزيدي والشافعي ، ومن يستقرئ تاريخ اليمن والدول التي حكمتها فلن يجد أي صراع أو حروباً مذهبية مثل ما جرى من حروب مذهبية في غيرها من الأمصار وأما الحروب التي كانت بين بني رسول وبين الأئمة الزيدية إنما كانت لأسباب سياسية لا مذهبية بل جميع الحروب التي حدثت في اليمن كانت سياسية فقط.

وبعد هذه المقدمة يمكن الصول حول هذه العوامل:

العامل الأول: الذي أسهم في تحصين الوعي وتغذية التلاقح الفقهي والفكري بين المذهبين (الزيدي والشافعي) يتمثل في عدم محاولة أي مذهب فرض مذهبه على الآخر وعبر تأريخ اليمن تجد الكثير من الأئمة والحاكمين كانوا يعينون قضاة أهل كل مذهب من مذهبهم ومناطقهم.

العامل الثاني: محبة آل البيت - عليهم السلام - والتقارب المذهبي في عدد من المسائل الفقهيه.

وإليك توضيح ذلك :

إن الإمام الشافعي كان من أكبر المتفانيين بحب أهل البيت عليهم السلام وهو الذي أوجب الصلاة على الآل في التشهد وهو القائل:ـ

يا آل بيت رسول الله حبكم         فرض من الله في القرآن أنزله
 

كفاكم من عظيم القدر أنكمُ         من لم يصل عليكم لا صلاة له
 

وهو القائل ــ أيضا ًـ :

إن كان رفضاً حب آل محمد         فليشهد الثقلان أني رافضي
 

إلى غير ذلك من أبياته الشعرية التي تنم على تشيعه ومحبته للعترة الطاهرة عليهم السلام ومن يقرأ كتابه الأم فسوف يجد آراء كثيرة يتفق بها مع المذهب الزيدي مثل التثويب في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) فهي لم تصح عنده.

وكذلك أذان الجمعة يرى أنه أذان واحد فقط إلى غيرها من الآراء التي يتوافق معها بالمذهب الزيدي وكثيراً ماكان يقول : " إذا صح الحديث فهو مذهبي"...

العامل الثالث: انفتاح فقهاء المذهبين على بعضهما سواء في التلقي  من خلال تلقي علماء كل مذهب من الآخر، أو الفتوى المرنة التي تتضمن ماهو معتمد لدى المذهب الآخر.

العامل الرابع: وحدة دور العبادة بين الطرفين فلا توجد مساجد خاصة بكل مذهب كما هو الحال في عدد من الدول.

العامل الخامس: وحدة الزي الشعبي لدى المنتمين لكلا المذهبين بخلاف بقية الدول حيث يتميز علماء كل مذهب بزي عن علماء المذهب الآخر.

العامل السادس: الاندماج الاجتماعي من خلال علاقات المصاهرة والزواج و التي كانت تتم بين المنتمين للمذهبين دون أي إشكالية.

العامل السابع: التقارب السياسي والذي تجسد  في مطلع التسعينيات بتشكيل حزب الحق والذي ضمت هيئته التأسيسية  كبار علماء الصوفية والزيدية في اليمن ....

إلى غيرها من العوامل التي جعلت من المذهبين أنموذجاً فريداً في التعايش والتصالح والتسامح..

هذا ونجد بحمد الله تعالى أن شقة الخلاف بين الشافعية والزيدية قد انتهت أو تكاد تنتهي فلا تمر الأيام إلا والخلافات تقل رغم التشويه الذي كان يواجهه المذهب الزيدي من قبل ذلك التيار الوافد الدخيل على اليمن مؤخراً والذي يسمى بالتيار الوهابي المنسوب  إلى المذهب الحنبلي  وهو تيار مدعوم بأموال طائلة من المملكة العربية السعودية كان يقوم بنشر الكتيبات التي تؤدي إلى نشر التباغض وتكفير أتباع المذهب الزيدي وأتباع المذهب  الشافعي من الصوفية وغيرهم لدرجة أنهم كانوا يستخدمون المساجد لبث آرائهم الخبيثة دون خوف أو وجل من الله ومن الناس، ومن يقرأ مذكرات الشوكاني ودرر الحور العين لجحاف فسيجد تفصيلاً كاملاً لما قامت به هذه الفرقة بالقطر اليمني سابقاً ولاحقاً.

ومع هذا التشويه والتعتيم الذي تمارسه هذه الفرقة التكفيرية ضد أتباع هذا المذهب الزيدي إلا أننا نجد في المناطق التي يسودها المذهب الشافعي أناساً كُثر قد تأثروا بالمذهب الزيدي وأصبحوا من أتباعه .

وكذلك العكس ففي المناطق التي يسودها المذهب الزيدي نجد هناك جماعة كبيرة يتبعون المذهب الشافعي والذي زاد في هذا التقارب هو انتشار الكتب الزيدية في أوساط الشافعية وكذلك العكس رغم المحاربة التي كانت تواجهها ومن يقرأ الكتب المعتمدة لدى المذهبيين سيجد التوافق كبيراً والاختلاف يسيراً لاسيما في الأمور الفرعية البسيطة كالضم والسربلة وو... الخ.


▪ هل هناك مبررات لاستقبال المحتل الأجنبي في الجنوب من قبل بعض إخواننا الشافعية الصوفية ؟ وهل لهذا الترحيب والتماهي خلفية أيدلوجية ؟

الجواب : لا يوجد أي مبرر لذلك أبداً وما يجري في الجنوب هو احتلال أمريكي بأيدي إماراتية تستخدم فيه الجماعات التكفيرية المتطرفة التي لا تقبل الشافعية الصوفية بعقيدتها الأشعرية لأنها فرقة ضالة بحسب نظرتها لها.

 وشعب الجنوب تم استهداف هويته منذ وقت مبكر حتى حوصرت فيه الشافعية الصوفية بسبب الزحف الوهابي الذي دخل بقوة بعد حرب صيف 94م التي شنها النظام السابق بقيادة ومشاركة واسعة من حزب الإصلاح التكفيري وبعدها أصبحت الجنوب بيئة خصبة للإصلاح والوهابية وتم تغيير هويتها عبر مؤسسات ومساجد ضخمة بإمكانات هائلة تتبع هذه الفرق التكفيرية ولولم يقم بعض علماء حضرموت بماقاموا به من إحياء للصوفية والشافعية في نطاق واسع لأصبح الجنوب صورة أخرى من الوهابية إلا أن عملهم هذا لم يصمد أمام الإمكانات الهائلة والدعم اللا محدود لهذه الفرق من قبل النظام السعودي والسلطة التابعة له في صنعاء فاصبح الصوفية الشافعية غرباء في أرضهم وقلة في أماكنهم تحيط بهم المؤامرات من كل مكان ..

وأما الخلفية الإيدلوجية والمشهورة بكسر السيف أو بعبارة أخرى حفظ اللسان من الذم واليد من الدم، مستدلين على ذلك بقعود بعض الصحابة عن نصرة الإمام علي -ع - والإمام الحسين -ع - وربما استدلوا بصلح الإمام الحسن -ع - مع معاوية، مع آثار جعلوها حائلاً بينهم وبين الصدع بكلمة الحق ومانعاً لهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن نصرة المستضعفين ومقاومة المعتدين ونحن نقدر ما مر به علماء الجنوب من عمليات قتل وسحل وتغييب اأيام النظام الشيوعي لكن ذلك لا يسوغ لهم أبداً أن يجعلوا من تلك الأحداث منهجا يورث الذلة والاستسلام للأمة تحمله الأجيال جيلاً بعد جيل، فإن هذا يخالف ما جاء به كتاب الله تعالى من حث على النهي عن المنكر والوقوف ضد الطغاة المعتدين والقتال دفاعاً عن المستضعفين.


▪ ما رسالتكم لإخواننا في الجنوب الذين تعاملوا بود مع الأجنبي والغريب وتنكروا للأقربين من إخوانهم في الشمال ؟

الجواب : نذكرهم بقوله تعالى : ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ...﴾ فالله تعالى في هذه الآية الكريمة قد نفى الأيمان عمن ود وأحب وناصر وأيد ورحب بأعداء الله ورسوله الذين يقومون باحتلال الأوطان وقتل واستعباد الإنسان ناهيك عن تعذيب الأسرى في السجون ونهب الثروات.. وما يفعله الإماراتيون الغزاه في الجنوب لهو خير شاهد ودليل.

 فهم أداة من أدوات أمريكا وإسرائيل،  فماذا ينتظر إخواننا في الجنوب من المحتلين؟

هل ينتظرون منهم الورود ؟ وهل يرجون خيراً من غاز أو محتل ؟

ألم يشاهدوا التفجيرات والإغتيالات التي باتت لاتخفى على أحد ؟

وماهي إلا ثمرة من ثمار الغزاة المحتلين.

وهنا نخاطبهم بما قاله قطب الصوفية سيدي إسماعيل إسحاق مخاطباً آباءهم :

يا رجال الجنوب حُلُّوا وثاقاً عنكمُ والحقوا بركب الشمالِ.

واطمسوا عن بلادنا وصمة العارِ وكفوا جرائم الأنذالِ


▪ ما رسالتكم لأبناء تعز خاصة ؟ ولأبناء اليمن عموما أمام التآمر والتكالب العالمي ضد اليمن والمسلمين ؟

الجواب : نحن في مرحلة خطيرة إما أن نكون أو لا نكون إما أن نعيش أحراراً بعزة وكرامة أو نموت مؤمنين حاصلين على وسام الشهادة .

فالمسؤولية أصبحت على الجميع كبيرة فلا مجال للسكوت والحياد فقد تبين لكافة أبناء الشعب اليمني جلياً أهداف التحالف والتي هي احتلال بلادهم وقتل شعبهم وهتك أعراضهم ونهب خيراتهم وثرواتهم وتمزيق نسيجهم الاجتماعي..

ولا أظن بعد هذا العدوان والمجازر اليومية التي يرتكبها التحالف في حق شعبهم.

لا أظن أن أحداً منهم يشك في كذب إدعاء التحالف بإعادة الشرعية أو بتحرير اليمن من الحوثيين أو من التوسع الشيعي أو ..إلخ.

وذلك لأن العدوان مع مرتزقته قد استهدفوا كافة طوائف الشعب بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم.

وإني هنا أوجه رسالتي إليهم جميعاً بما فيهم العلماء والوجهاء والشخصيات الاجتماعية والقبلية والحزبية والمثقفين والصحفيين وسائر طبقات الشعب.

أوجه رسالتي إليهم من هذا المنبر الفكري الحر بأن عليهم أن  يقوموا بواجبهم الرسالي وهو توعية الناس بكافة الوسائل [ عبر منابر المساجد، وعبر الزوايا والأربطة والمجالس والمنتديات، وعبر الصحف والمجلات والمنشورات ومواقع الانترنت وعبر كل وسيلة يمكن من خلالها أن تصل أصواتهم إلى كل مواطن يمني ] وتوعيتهم تكون بأن يبينوا لهم خطر الاستعمار والاحتلال وعواقبه وخطر هذا العدوان السعوأمريكي الذي يريد بقصفه الوحشي أن يستأصل كل مقدرات الشعب اليمني وثرواته وحضارته ورجاله ونسائه واطفاله.

وهاهو العدوان طيلة أكثر من ثلاث أعوام قد أحرق الحرث والنسل وارتكب مئات المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية ولاشيئ في هذا الوطن الحبيب إلا وقد استهدفه حتى الشجر والحجر وقبور الموتى لم تسلم من غاراتهم الوحشية....

 وعليهم أن يحثوا الشعب اليمني على الصبر وعدم القلق وأن عاقبة الصبر الفرج وأن الثقة بالله تعالى هي سبب النصر ويذكروهم بالآيات القرآنية التي تزيدهم إيماناً وثقة بالله تعالى .

وكذلك يحثوا الناس لا سيما الشباب إلى أن يلتحقوا بجبهات القتال وميادين الشرف والبطولة لأن جهاد الأعداء والغزاة الذين يريدون احتلال أرضنا وتدنيس وطننا أصبح واجباً على كل فرد... وكتب المذاهب الإسلامية تنص على أن العدو إذا داهم بلداً أو مدينة وجب على جميع أهل ذلك البلد أو المدينة قتال العدو والدفاع عن بلدهم.... ، وعلى العلماء وغيرهم - أيضاً- أن يحثوا الناس على التبرع بالدم للجرحى وبالمال والغذاء لقوات الجيش واللجان الشعبية المساندة له والتي هي الآن في ميادين القتال تقوم بتطهير الأرض اليمنية من الغزاة الذي جاء بهم التحالف النجدي اليهودي من مختلف دول العالم وتطهيرها أيضاً من دواعش القاعدة ومنافقي العدوان وذلك من أجل أن ينعم الشعب بالأمن والأمان

 وقتال هؤلاء واجب قال تعالى ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾.

وعليهم- أيضاً- أن يحذروا الناس من خطر الأكاذيب والأراجيف التي تقوم بنشرها بعض وسائل الإعلام كقناة الحدث والعربية وغيرها من القنوات التحريضية ...

 وعليهم -أيضاً- (أي العلماء والشخصيات الوطنية والاجتماعية وغيرهم) أن يبينوا للناس الخطر التكفيري ومن حالفهم من بعض الأحزاب التي تقوم بنشر الطائفية بغرض أن يتقاتل الشعب بعضه بعضاً، وأن يقوموا بنصح هذه الأحزاب كي ترجع عن غيها لاسيما التي تورطت وتحالفت مع حزب الإصلاح الذي رحب بضرب البلاد .. فعليهم أن يتوحدوا مع شعبهم ضد العدوان ويتركوا مناكفاتهم الحزبية وخلافاتهم الشخصية من أجل الدفاع عن بلادهم وشعبهم .

والخلاصة مما مرَّ سابقاً هو أن وجوباً على العلماء أن يبينوا للناس بأن كل فرد من أفراد هذا الشعب عليه أن يقوم بمهمته الجهادية التي أنيطت به ... فالشباب المقاتلون عليهم أن يلتحقوا بجبهات القتال، والأطباء عليهم بمداواة الجرحى وتقديم كل خدماتهم المتاحة لهم، ورجال الأعمال عليهم أن يتبرعوا بالمال وعلى التجار أن يقدموا المواد الغذائية للجيش واللجان الشعبية المساندة له وكل من باستطاعته تقديم أي مساعدة للمرابطين بجبهات القتال فعليه تقديم القدر المستطاع عليه.

وعلى العلماء وخطباء المساجد أن يقوموا بالتوعية والإرشاد لحث الناس إلى كل ما تم ذكره سابقاً، وعلى القاعدين من الرجال (كبراء السن أو المرضى أو الذين منعتهم الظروف عن جهاد العدو) عليهم أن يكثروا من الدعاء لبلادهم وبالنصر لقواتهم التي تحارب أعداء الله ورسوله وعليهم  أن يقرأوا - إذا امكن - كل ليلة سورة يس وعقبها يكرروا القول من (حسبنا الله ونعم الوكيل) عدد 450 مرة وذلك بنية أن الله ينصر الشعب اليمني على الغزاة المعتدين ومرتزقتهم في الداخل.. وبعملهم هذا يكتب الله لهم أجر المجاهدين .

جنب الله بلادنا الدمار والنيران ، ونصرنا الله على آل سعود والإمريكان .


▪ كيف يمكن أن تكون القدس محطة التقاء وتوحد بين المسلمين ؟

الجواب : القدس هي قضية المسلمين الأولى،  وعليها تجتمع كلمة المسلمين بشتى انتمائاتهم المذهبية والسياسية.

 لذا فقد كانت خطة المستعمر هي إلهاء المسلمين عن هذه القضية بالنزاعات الداخلية التي فرقت المسلمين شذراً مذراً،  وهذا هو الواقع اليوم.

لذا على  المسلمين توحيد صفوفهم ولم شملهم وأن يهتموا بتأريخهم ويحافظوا على مقدساتهم..

ويجعلوا القدس نصب أعينهم وموضع إنطلاقة توحدهم وهذا لن يتأتي لهم إلا بعد تعريف وإظهار مكانة كل منها بالنسبة للإسلام والمسلمين لكي تبقى القضية الفلسطينية حية ومعروفة لدى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغربها.

فالقدس جزء من العقيدة وهي آية من القرآن الكريم قال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

والاستيلاء عليها يعني الاستيلاء على تأريخ الأمة وحاضرها ومن أجل ذلك يجب أن تتولى المؤسسات العربية والإسلامية إصدار النشرات الموضحة للمقدسات عامة ولمعالم المسجد الأقصى خاصة كي تبقى القدس خالدة في ذاكرة الأجيال.

كذلك تتولى القيام بعمل الندوات والمحاضرات والبرامج التلفزيونية والإذاعية عن أهمية القدس وعظمتها بعمل متواصل دؤوب.

كذلك - أيضاً- عليها بالاهتمام بإحياء يوم القدس العالمي بالمظاهرات والمسيرات والتنديد بالعدو الإسرائيلي وهذا يزيد الأمة الإسلامية تمسكاً واهتماماً بقضيتها المركزية (القدس) ومن ثم يتوحدون فيما بينهم ويتركون خلافاتهم الداخلية ..

كل هذه الأمور التي ذكرناها وغيرها يمكن من خلالها أن تكون القدس محطة التقاء وتوحد بين المسلمين.


▪ ما تعريفكم للقراءة الواعية ؟ وهل هناك نموذج للقراءة الواعية ؟

الجواب : القراءة  الواعية هي عبارة عن إعمال الفكر والنظر في النصوص وفق منهجية علمية محكمة وبأسس عقلية ومعرفية.

فأي مجتمع في أي عصر يحتاج إلى أن يضع لنفسه قراءة تسمح له بحل مشاكله وفق رؤية واعية وناضجة لأن كل مجتمع تتغير معطياته ولأن أي تطور مجتمعي ـ على كل المستويات ـ يحتاج إلى النقد المستمر حتى يتمكن من التجدد والإستمرار.

إن القراءة الواعية لا بد أن تكون متجردة عن التقليد الأعمى خالية من التعصب المقيت, مواكبة للعصر غير مرتبطة بأي عنوان إلا عنواناً واحداً (إن الدين عند الله الإسلام)  وتهدف إلى معرفة الحق ... إضافة إلى الإحاطة بالواقع وبالأحداث, متخذة القرآن الكريم معياراً لمعرفة الصحيح من الخطأ والحق من الباطل لأن له الحاكمية المطلقة.

وهي -أيضاً- تعمل على إعادة النظر في الموروث وتنقيته من كل ما يشين صورة الإسلام ويتنافى مع روحه السامية، وتعمل -كذلك- على إزالة كل ما فيه (أي الموروث) من الغث إذ هو الذي فرق الأمة ولم يجمعها, وأفسدها ولم يصلحها وأسقطها ولم يرفعها.

وهذه هي القراءة الصحيحة التي من خلالها ستخرج الأمة برؤية واحدة متكاملة تكون فيها سعادتها لا تعاستها.

 وعليه فإن أهم أسباب انحراف الأمة فكرياً هو:

عدم وجود القراءة الواعية: إن السبب في انتكاس هذه الأمة هو عدم وجود القراءة الواعية للموروث وللواقع وللأحداث من المنظور القرآني, ولهذا كانت فريسة سهلة لتلك الثقافات الدخيلة والمستوردة التي أسقطت الأمة وجعلتها في ذيل القافلة.


صور السبد العلامة عدنان الجنيد